مقالات

طارق عفاش.. دولة موازية في الساحل

08/12/2022, 16:25:08

عند كل مظهر غريب، علينا أن نستعيد السؤال الأول: ماذا يصنع طارق عفاش في سواحل تعز والحديدة..؟
لدينا قوّة عسكرية تنمو هناك وتواصل نشاطاتها السياسية، ولا تدري ما وجه الربط بين كل ما تقوم به وبين الهدف المصيري الكبير؛ متمثلًا في حلم استعادة الدولة..؟

مبدئياً، كل نشاط فعّال في هذه البلاد هو أمر طيب، وعلينا أن نستقبله بتحفز إيجابي، وبعيدا عن التوجسات المشككة بدوافعه.
 من الجيّد أن نتعاطى مع الثمرة، ونزيح أي ريبة تحاول أن تطلّ برأسها وتبخس النشاط قيمته.
 لكن مشكلتنا ليست مع النشاطات القائمة ذاتها في المخا - المدن السكنية، التشجير، بناء مدرسة، وافتتاح فندق- بل عن وجه صلتها بمشروعنا الكبير: سؤال الدولة أولًا.

فأنت حين تتأمل طبيعة النشاطات في الساحل، تصل إلى خلاصة مبدئية أنك أمام جمعية خيريّة، وفي أحسن الأحوال وزارة للأشغال العامة ولستَ أمام قوّة سياسية وعسكرية؛ يفترض بها أن تكون مُركِزة على هدف عام يتعلق بتثبيت أركان الدولة، والمساهمة في استعادتها، وليس ممارسة دور تنموي أو نشاط تسويقي لكسب قلوب الناس.

سيقول لك أنصار الدولة الموازية في المخا: ما نقوم به هناك هو نشاطات تصب في صالح الهدف الكبير؛ لكن هذا الربط ليس موثوقاً، ولا هو كذلك في الواقع.
فما يحدث في الساحل هو تعميق لحالة الشتات، وترسيم لها، كما لو أن حلم استعادة العاصمة بات هدفاً طوباوياً، يفتقد للواقعية.

لقد صارت الواقعية -في نظر المظلة العفاشية في الساحل- هي أن يتمدد وجودهم هناك وكأنهم بصدد خلق مركز سياسي وعسكري موازٍ للشرعية، حتى لو حاولوا شرعنة سلوكهم باستضافة رموز سياسيين هم عناصر أساسية في مظلة الشرعية، فالأمر لا يعدو مجرد تسويغ لاحق لسلوك مفارق للنهج الذي عليهم اتّباعه. ونعني نهج حشد الجهود لتقوية مركز السلطة الشرعية، وتعزيز حضورها بمقابل خصمها المركزي، الإمامة ومشروعها في السطو على عاصمة اليمنيين.

الذهاب بالوجود العسكري في الساحل ليغدو بمثابة مركز استيطان سياسي، ومشروع بقاء متواصل؛ لا يصب في صالح تقويض المشروع الحوثي، ولا يخلخل سطوته على العاصمة؛ بل يمنحه طمأنينة أن خصومه باتوا في يأس كامل من حلمهم بإزاحته، وتقبلوا فكرة استحواذه على العاصمة. لكأنّهم يقولون له: لك صنعاء، ولنا هذه الجزر المتناثرة، المخا وباقي قطاعات البلاد الموزّعة بين هذه القوّة أو تلك.

التحرّكات الأخيرة للوجود العفاشي في المخا تحمل في ظاهرها محاولة جادة لمزيد من لملمة بقايا النظام القديم والمبعثّر؛ لكنه يفعل ذلك داخل واقع مختلف، وبهذا فهو يضعفهم بأكثر مما يضاعف مركزيّتهم. يحشرهم في زاوية هامشية. هامشية بالمعنى السياسي هنا، وليس الجغرافي، مهما حاولوا منحها قوّة مؤثرة؛ تظل فاعليتها محدودة ويحتاجون قرونا طويلة لتصديرها كمركز سياسي معتبر.

الخلاصة: كان أمام طارق عفاش أن يعمّق حضوره كشخص فاعل داخل السلطة الشرعية، ويستخدم قوته العسكرية، وشبكته السياسية، وظهيره الاجتماعي العام والموروث من بقايا حزبه؛ كي يضاعف انتشاره كقوة متغلغلة بشكل عام داخل الخارطة السياسية للبلاد، عسكريا واجتماعيا، وليس العودة نحو جزيرة منفصلة، واتخاذها كمتراس يحجّم من حضوره بأكثر مما يوسّع فاعليته.

هذا السلوك الانكفائي هو نشاط موازٍ، ومماثل لنشاطات الانتقالي، كقوة انفصالية ذات طابع مناطقي عاجزة عن تذويب ذاتها داخل الجو العام وستظل حبيسة لرؤيتها هذه، فلا هي قادرة على استعادة حلمها بدولتها الجنوبية المزعومة، ولا هي قادرة أن تفكفك قيودها ليتمدد حراكها بشكل أكبر.

والحال ذاته مع طارق عفاش لا هو قادر يستحدث نسخة جديدة من نظام عمه المتلاشي، ولا هو تمدد كقوة حية في كل مكان.

في بداية نشاطه حاول مراكمة قوة معطلة في الساحل، ثم اتضح أنه يهدف من خلالها إلى انتزاع حقه بالحضور السياسي، لكنه بعد أن تمكّن من ذلك وصار عضوا في الرئاسة عجز عن ممارسة دوره العام كعضو أساسي في رأس هرم السلطة، ومسؤول عن مصير البلاد، وعاد يتشرنق في الساحل، بما يؤكد لك أن بنيّته التكوينية، رؤيته السياسية وتصوّره العام، محدود وعاجز عن أن يؤدي دورا أكبر مما هو مصمم له. قوة وظيفية تدافع عن حضورها ومصالحها الشخصية وليست زعامة مؤهّلة لاسترداد بلد.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.