مقالات

عن نبي "الروح" المسيح ورأس السنة

05/01/2024, 13:38:01

إن كان هناك من درس ذكي يمكن للبشر أن يتمثلوه من عيد الميلاد فهو العناية بأرواحهم.

كان المسيح روحًا خالصة. جاء؛ ليُحرر البشر من سطوة المادة، فإذا بذكرى ميلاده تغدو مظهرًا ماديًّا خاويًا من أي طابع روحي.

"كل ثروات الدنيا لا تستطيع أن تشتري ضرورة واحدة من ضرورات الروح"، أظن ديفيد ثورو قال فكرة كهذه.

أميل إلى الاقتناع بأن معظم أزمات الإنسان الحديث نابعة من مشكلة روحية. لقد استحوذ الشيطان على مساحة هائلة من الوجود، وتقلصت الروح حد شعورها بالضآلة، وربما العدم.

والشيطان هنا ليس بالضرورة كما هو في الأساطير الدينية مخلوق لا مرئي يترصد البشر للإيقاع بهم ودفعهم إلى تخريب وجودهم، بل شياطين الرأسمالية، وهي تغرق وجود الإنسان في بُعد أحادي يجعله فقير المعنى، وقابلا للعطب بأدنى أزمة تصيبه. ولعل احتفالات عيد الميلاد بطابعها المغرق في الاستهلاكية هي نموذج هامشي يؤكد المدى الذي بلغته المادة في سطوتها على حياة الإنسان.

أين روح المسيح من هذه الأعياد الجافة...؟ أو على الأقل المساحة الأكبر منها. ستنتهي الاحتفالات، ويُعاود البشر الذهاب نحو أعمالهم بنفس الحالة الباطنية التي سبقت احتفالاتهم، لا يعني أنهم لو كانوا احتفلوا بطريقة أخرى ستتغير نظرتهم إلى العالم. فالمشكلة لا تقتصر على مظاهر الاحتفال المحددة بإجازة قصيرة؛ بل في نمط حضارة بلغت مستوى من الغطرسة حد إزاحة أي منظور آخر للوجود، خارج منطوق العلم.

لقد بلغت السخرية بفكرة " الروح " حدّ اعتبارها شيئا يشبه الهواء، ليس في أهميتها؛ بل في وزنها. إنها فكرة هامشية وربما يشعر المثقف بالخجل من استخدامها. أنا على يقين أن مثقفين كثر يحذرون من استخدام هذه الكلمة؛ خشية أن يُخصم من عقلانيتهم، أو يُتهمون بالترويج للخرافات. عمّا تتحدث يا راجل، إنك تفتقد للتفكير العلمي، وقاموسك ما يزال متورطا في حقول بدائية.

ابتكرت الحضارة الحديثة مزيدا من التدابير والبدائل الروحية؛ كي ترمم عطشها للمعنى؛ لكنها لم تتمكن من سد الحاجة الروحية كما يجب. ظل هناك جوع لشيء ما مفقود.

وكلما تعاظم الجو هرول البشر نحو مزيد من الملاذات المصطنعة. لكنها لم تنتبه بعد للملاذ الأساسي، مصدر الروح وموطنها الأصلي. ذلك أنها قد استبعدت أي إمكانية جذرية للعودة إليه. لم يتبقَّ لهم سوى مناسبة روتينية منفصلة عن النبع الثري.

مناسبة أعياد الميلاد، لكنها لم تعد مناسبة يمكنها أن تحقق لهم ولادة روحية شاملة أو حتى تكون بمثابة محطة أساسية لتنشيط معاني الروح، لهذا تبدو عيدا أقرب إلى الدنيا منه إلى مورد سماوي له علاقة بالأبدية. وتلك هي الخسارة الروحية الفادحة.

الخلاصة:

من يتخذ من رأس السنة مناسبة لتفقُّد عالمه الروحي هو من يكسب إرث المسيح. نبيّ الروح وهو يُصلب؛ كي يُطهِّر البشر من لوثة الوجود، يُعرِّض نفسه للعذاب؛ ليخفف ثقل الكابوس الضاغط على أرواح قومه.

لكنهم، حتى وهم يحتفلون بذكرى مولده، يبحثون عن الجنس والشراب، عن اللذة ومتع الحواس؛ ليس ليتطهروا من السواد المنتشر في بواطنهم؛ بل كي يهربوا من أنفسهم.

 مم يحاول الإنسان أن يهرب..؟ من نفسه. يعالج غربته بمزيد من التيه وفقدان الوعي. مخافة أن يستيقظ ويواجه وحشته.

أراد المسيح أن يُحرر أرواحهم من خناق الحواس؛ أراد لهم أن يزيحوا الحجاب قليلًا ليُشع في بواطنهم شيءٌ مما في الوراء، فذهبوا يدفنون رؤسهم، ويكثِّفون الحجب؛ كتعبير عن افتقادهم للشجاعة والقوة اللازمتين؛ ليعانقوا حريتهم الكاملة.

مقالات

وماذا بعد أيّها اليمن العنقاء!

لم تَعُدْ كلُّ الكتابات السياسية، والتحليلات، والتنبؤات، ونشرات الأخبار، والتقارير، وهلمَّ جرًّا، تعني شيئًا لليمن المتشظِّي، المفتَّت، والمقسَّم، والممزَّق بين ميليشيات باغية في كل زواياه، وجباله، وسواحله الممتدّة.

مقالات

"أسوأ من الموت بغارة جوية"

"الجائحة الحوثية باقية وتتمدد"، هذا ما صرَّح به الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ضمنيا حول وقف الغارات الجوية على مواقعهم مقابل عدم استهدافهم السفن في البحر الأحمر.

مقالات

عندما ترتجف المليشيا من فنان!

لا شيء يُرعب الطغاة كصوت الفن، ولا شيء يُعري القبح السلطوي كجمال النغمة الصادقة. الفن ليس ترفًا، ولا مجرد وسيلة للتسلية في حياة الشعوب. الفن، بمعناه الحقيقي، وعيٌ جمالي عميق، وحسٌّ تاريخي يتجلّى في أوضح صوره حين تُعزف الحقيقة في وجه الكذب. ينبثق كثورةٍ معنوية عندما تُغنّى الحرية في مسرح السلاسل. الفن، بمجمله، هو حين يُرتّل الوطن في زمن الملكية السلالية!

مقالات

أبو الروتي (33)

كانت غرفتي في سقف الفُرن تضم مكتبتي الصغيرة، وكان أجمل ما فيها راديو كروي الشكل لم أعد أذكر كيف حصلت عليه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.