مقالات
عيد الولاية.. شرعية الخرافات
منذ ثمانية أعوام والحوثي يحتفل بعيد الولاية بشكل رسمي في قلب العاصمة صنعاء. في ال18 من ذي الحجة، يكون عيدهم. إنهم لا يفعلون ذلك، باعتبارهم جماعة دينية لها خرافاتها ومن حقها أن تُقيم طقوسها كما تهوى. لكنهم يُنظِّمون احتفالهم بعيد الولاية، في الوقت الذي يحكمون فيها عاصمة الجمهورية اليمنية دون أي سند دستوري أو رضى شعبي من أي نوع. ومن هنا تنبع دلالة هذا النشاط المشبوه.
تنظيم جماعة إنقلابية مسلحة لما يُسمّى عيد " الولاية" في صنعاء، هو إعلان غير مباشر أنها جماعة تكفر بمفردة الدستور ولا تعترف بكل المبادئ المدنية الحاكمة للشعوب الحديثة. قد لا يكون هذا كشفًا جديدًا، فواقع حال الجماعة وثقافتها يؤكد موقعها من الديمقراطية وهو موقع محذوف تمامًا ؛ لكن الغياب التام لمبادئ الديمقراطية بقدر كارثيته لكنه ليس أكثر فداحة من حول تأكيدها المرضي حول فكرة الولاية. إنه تأكيد مركزي وخطير.
لا تهدِف جماعة الحوثي لاستغلال تواريخ دينية حقيقية أو مصطّنعة؛ كي تُظهر خصائصها الطائفية؛ بل لتشرعن سطوتها القسرية على السلطة. فقبل أن يكون الحوثي طائفيًا كريهًا هو لص وقح، اختطف إرادة الناس بالقوة وفرض سلطته عليهم دون أي اكتراث أو حتى اعتراف بهم.
لا يعترف الحوثي ب "إرادة الناس" ؛ لكنه يسعى بطرق مشبوهة، مباشرة وغير مباشرة، أن ينتزع اعترافهم به. لا يجرؤ أن ينتهج الطريقة المُقرّة بين الشعوب للتعبير عن إرادتهم تجاه السلطة ومنحها مشروعية الحكم أو الامتناع عن ذلك. غير أنه يسعى لترويضهم على القبول بخرافة " الولاية" واعتبارها تشريع لاحق لحكمهم، مُباركة متأخرة، بعد أن تمكنوا من فرض سلطتهم ابتداءً وبالقوة.
لم يكن أحدًا يتوقع أن تنبعث جماعة في التاريخ، لا تكتفي بعدم إيمانها بالديمقراطية، بل وتسعى لاستدعاء أفكارا وهمية وتضعها كبديل لما أنتجه العقل البشري طوال آلاف السنين من تدابير مدنية لتنظيم السلطة ومنع أي جهة من حكم الناس دون موافقة منهم. الحوثي ليس انقلابي يستخدم القوة للحكم فحسب. بل تيار إحلالي أوكل لنفسه مهمة مناهضة كل مكاسب العقل البشري وأخلاقياته منذ قرون.
لكن لماذا يحتفل الحوثي بذكرى ما يُسمّى بالولاية وقد صار واليًا على الناس على طريقته..؟ إنه أولًا: يحتفل بنجاحه في فرض حقه المزعوم بالولاية. ثم يسعى ثانيًا: أن يمارس دوره في تنوير الناس، ويشرح لهم، لماذا نجح في حكمهم بالقوة، رغم فقره الأخلاقي، فراغه من أي رصيد شعبي أو انجازي وعدم التزامه بأي شيء تجاه من يحكمهم..لماذا..؟ لأنه يؤمن بالولاية. إن مسألة تمكُّنه من الحكم، هو لقاء بالوعد الإلهي. حسبهم أن امتلكوا السلاح ثم عملوا بالأسباب. قاتلوا اليمنيين وانتصروا عليهم، وهكذا عاد الحقّ لأهله وها هم اليوم يحتفلون بعيد الحق، ذكرى الولاية. وليس أمامكم أيها اليمنيون سوى طريق إجباري واحد: الإيمان بما آمنت به السلالة.
هذا هو منطق الحوثي. فحين يحتفل بالولاية، فهو لا يسعى ابتداءً لاقناع الناس أن يؤمنوا بنظريته السلالية في الحكم ثم اختياره بناءً على إيمانهم البدائي هذا. بل عليهم أن يؤمنوا بها كنوع من القبول الهامشي اللاحق. أن يؤمنوا بالأمر الواقع بغرض تعزيز حكم السلالة وتأبيده. أما الوصول للسلطة/ الولاية فقد حسمتها الجماعة بنفسها ولم تنتظر إيمان الناس بها وتنصيبهم حكامًا عليهم برضاهم وتسليمهم.
يعلم الحوثي صعوبة إقناع الجماهير الواقعة تحت سلطته القاهرة، بفكرة الولاية، حدّ الإيمان بها كنظرية سياسية، لها صفة الحقيقة وذات طبيعة مطلقة ؛ لكنه يواصل محاولته؛ بغرض تحقيق تراكم معنوي، علّه يتمكن بموجبه من التأثير على الأجيال الناشئة تحت سلطته.
الهدف البديهي من الاحتفال بعيد الولاية، هو منح صبغة شرعية لسلطة منزوعة المشروعية. هذا أولًا. وثانيًا: تحييد كل القيم السياسية الحديثة من وعي الأجيال وحجبها عنهم. وصولا لتلك اللحظة التي يكون بموجبها قادر على الخروج ببيان يقول فيه: إن مفهوم " إرادة الناس" والديمقراطية والانتخابات، هي اجتهادات بشرية أقل حكمة وبراعة من نظرية الولاية. فالأخيرة تقرير إلهي مقدس أما الديمقراطية وما حولها، فهي محاولات بشرية بائسة أثبت التاريخ فشلها.
الخلاصة:
يسعى الحوثي لتسوِّيق خرافة الولاية وتقديمها كأرضية نظرية أساسية فيم يخص المبادئ السياسية الحاكمة للشعب اليمني. نحن لسنا أمام أباطيل طائفية تُلوِّث وعي الأجيال فحسب؛ بل أمام كفر علني بكل المكاسب النظرية لليمنيين منذ عشرات السنين. على الصعيدين السياسي والمدني. الاحتفال بعيد الولاية، هو الغاء متعمّد وصادم لميراث العقل السياسي اليمني وقيمه التي راكمها منذ سنوات. أقلها على الصعيد المعنوي، واعتبارها مثل سياسية عليا يحاول الشعب ويجتهد باستمرار لتطويرها.