مقالات

غزة وماذا بعد حرب الإبادة؟

25/01/2025, 07:12:24

مَثَّلَ التوقيع على اتفاقية الهدنة انتصارًا لحماس، وهزيمةً لليمين التوراتي الصهيوني الديني الذي يقوده نتنياهو (زعيم الليكود)، منذ الأيام الأولى، كردٍ على طوفان الأقصى 7 أكتوبر 2023.

أعلنَ نتنياهو الانتصار المطلق بالحرب، ورفض التفاوض، وتبنِّي القضاء النهائي على حماس، وعدم عودة غزة كما كانت، واستعادة الأسرى بالحرب، وبالضغط العسكري وحده.

في الاتفاق الموقَّع في 17 يناير، وبداية الهدنة، منذ يوم الأحد 19؛ أي قبل استلام الرئيس الأمريكي ترامب مهام الرئاسة بيوم، تُطرح أسئلة في غاية الخطورة.

في البدء، يُصِّرُ نتنياهو على استئناف الحرب بعد استعادة الرهائن، وتفسير الهدوء المستدام بعدم انتهاء الحرب؛ وهو ما يطالب به زعيما القوة اليهودية، والصهيونية الدينية: بن غفير، وسموترتش.

إن صيغة الهدوء المستدام تخدم الرؤية والموقف الإسرائيلي، كما أن الضمانة الأمريكية ليست مضمونة؛ فأمريكا ليست ضامنًا ولا وسيطًا؛ وإنما هي وكيل لإسرائيل، ومنحازة للحرب.

إنَّ فشلاً ذريعًا، ولو مؤقتًا قد لحقَ بأهداف الحرب المعلنة: خروج الأسرى بالضغط العسكري. الضغط العسكري تسمية رومانسية لحرب إبادة قتلت، خلال خمسة عشر شهرًا، أكثرَ من سبعين ألف قتيل، وأكثر من مئة ألف جريح، وعشرات ومئات لا يزالون تحت الأنقاض؛ أي عُشْر سكان غزة، ودمَّرت أكثر من سبعين في المئة من غزة، وهجّرت أكثر من ثلثي السكان، ودمّرت كل مظاهر التمدّن ومعالم الحياة.

إبادة حماس تعني إبادة غزة بكل ما فيها وما عليها، وأول ما تعني التهجير، والتطهير العِرقي.

يتحدّث القادة الإسرائيليون عن عودة الاستيطان، وتحويل غزة إلى حدائق ومنتزهات، ويتحدث ترامب عن عدم التأكد من نجاح وقف الحرب؛ ودلالة ذلك واضحة.

فهو يؤكد مدى الخراب في غزة، وضعف الغزيين، كما أوقفَ الإجراءات العقابية بحق بعض المستوطنين المجرمين.

تصريح الرئيس ترامب في تماهٍ لافت مع نتنياهو، وقد تغنى بساحل وطقس غزة.

الإصرار الإسرائيلي على استئناف الحرب في المرحلة الثانية والثالثة قائم، والتأييد الأمريكي قوي، والاتفاق الموارب والهش يطرح العديد من الأسئلة.

هل الاتفاق المؤقت سينتهي بمجرد استرداد الأسرى؟ وهل يستمر التفاوض، أم تعود الحرب؟ وهل من إمكانية لنجاح التفاوض، وإطلاق بقية الأسرى والمعتقلين الفلسطينيين؟ وفي حالة العودة مجددًا للحرب؛ هل تلقى الحرب الدعم من إدارة ترامب بنفس مستوى دعم بايدن؟

ترامب يقدِّم نفسه للعالم كرجل سلام القوة، فهو يعد بالجحيم في حال عدم الانصياع لفرض إرادته الإمبريالية.

يريد ترامب من فلسطين والأمة كلها القبول بالاستيطان، ويقرر نقل السفارة الأمريكية للقدس، ويوقف مساعدة السلطة الفلسطينية والأنروا في رئاسته الأولى، ويمنح إسرائيل حق الاستيطان في الضفة الغربية، والاستيلاء على الجولان السورية؛ لأنه يؤمن بحق إسرائيلي في التمدد.

إدارته الجديدة تُوصف بأنها الأكثر تأييدًا لإسرائيل، فسياساته تتماهى مع نتنياهو في عدم الاعتراف بأسلو، ولا بحق للفلسطينيين في تقرير مصيرهم، أو بناء كيانهم الوطني، وتبيح لإسرائيل الحق في الاستيلاء على الأرض بالقوة.

شعاره الرئيس: أمريكا أولاً، لا يختلف كثيرًا عن رؤية تفوق الجنس الآري.

فهو يضع أمريكا على رأس العالم، ويصف حلفاء أمريكا الأوربيين بأوروبا العجوز، ولا تخلو رؤيته وتعامله مع الأمة العربية وحكام العرب الموالين من الدُّونية.

فأمريكا وإسرائيل فوق المساءلة والقانون، يستطيع ترامب أن يعفي المجرمين حتى مَن صدرت بحقهم أحكام قضائية، أو المجرمين من المستوطنين في الضفة الغربية الذين قتلوا الفلسطينيين، ونهبوا المواشي، وأحرقوا المزارع، واستولوا بالقوة على الأرض، ونهبوا المحاصيل الزراعية.

الاحتمالات تُؤشر إلى استمرار الحرب؛ وهي مستمرة عمليًا في جنين والضفة، وتعاد في غزة في حال رفض الغزِّيون الرضوخ لمطالب نتنياهو التي تبدأ ولا تنتهي.

يريد نتنياهو أن يؤكد أنَّ الحرب هي من أعاد الأسرى. وحقيقة الأمر فمُراده الأساس: التطهير العِرقي، وتهجير أبناء غزة، وإعادة الاستيطان، وتصعيد المواجهات في الضفة الغربية لإرغام الفلسطينيين على الالتجاء إلى الأردن، أو القبول بالتهجير إلى المناطق التي تحددها أمريكا.

إدارة ترامب تتماهى مع الإدارة اليمينية الإسرائيلية المتطرِّفة؛ وهي تقوم بدور تبنِّي المطلب الإسرائيلي (التهجير) عبر الحرب، والضغط، في الوقت نفسه، على الأنظمة العربية المطبِّعة والتابعة لإرغام الفسلطينيين على القبول بالتهجير، وبالتمدد الإسرائيلي.

وهو يرى أنَّ إسرائيل قد حققت الانتصار، وليس على الفلسطينيين والعرب إلا القبول بالتطبيع، والرضوخ لحمايتها كقوة إقليمية شبه وحيدة.

الاتفاق الموقّع، في 17 يناير 2024، والموافق عليه، في آيار مايو الماضي، لم يكن تأخير التوقيع عليه بلا معنى. نتنياهو -بذكاء شيطاني- قد أخَّر التوقيع إلى الليلة الأخيرة من تسليم بايدين، واستلام ترامب السلطة؛ لتوزيع الانتصار الموهوم للحزبين: الديمقراطي، والجمهوري؛ ولإرضاء غرور كُلٍّ مِنْ بايدن وترامب.

في حقيقة الأمر، فشلت حرب الإبادة -حتى الآن- في استئصال المقاومة الفلسطينية، كما أخفقت بشكل أكبر في التطهير العِرقي والتهجير؛ وذلك بفضل المقاومة، وصبر وعناد الغزِّيين.

تشنُّ الآن إسرائيل الحرب على الضفة الغربية، وكانت بداية الحرب في الضفة منذ أباحها ومنحها ترامب في رئاسته الأولى للمستوطنين. يعطي اليمين التوراتي الصهيوني الأولوية للضفة الغربية: يهودا، والسامرة في الأساطير اليهودية، ويقود سموترتش عملية الاستيطان بعد أن دعا، في فبراير الماضي، إلى إحراق قرية "حوارة".

فشلُ حرب الإبادة في فرض التهجير (الهدف الرئيس) للحرب، والعجز عن إبادة المقاومة أو استعادة الأسرى- إدانة دامغة للفاشية الصهيونية ولأمريكا وأوروبا الاستعمارية.

الحرب والحصار سيستمران، ونقل حرب الإبادة إلى الضفة قد يحقق ما حققته الحرب في غزة من الإبادة، ولكنها -بكل تأكيد- لن تستطيع إخماد المقاومة، أو تهجير أبناء الضفة المهجرين أصلاً من بيوتهم وقراهم في الحروب، منذ ثمانية وأربعين، وما بعدها.

سيبقى الحصار والحرب، وستلجأ إدارة رجل سلام القوة، وشرعيّتها (ترامب) إلى مزيد من الإبادة، وإرغام الأتباع الفلسطينيين، والأتباع العرب إلى اندماج الكيان الصهيوني في النظام العربي، وشمول التطبيع الإبراهيمي، وسيُوكل إليها ترامب مهمّة حماية الحُكَّام المطبِّعين، أو التشارك مع الإدارة الأمريكية، والحصول على شيء من العوائد.

مقالات

"المتعة الروحية في السيرة الذاتية"

كنا قد تناولنا ما يتعلق بكتابة المذكرات السياسية، التي تم تحميلها فوق ما تحتمل، وهنا نتناول باختصار المتعة والفائدة الروحية والفكرية والإنسانية فيما يتعلق بقراءة كتب السيرة الذاتية، التي اشتهرت ولمع أصحابها، وأصبحت جزءا لا يتجزأ من شخصياتهم

مقالات

بين تجربتين (مقاربة أم لا مقاربة).. جنوب اليمن وجنوب السودان

إلى أمدٍ غير معلوم، سيظل الجدل قائماً بشأن مستقبل اليمن، وما إذا كان لا يزال بإمكانه العودة إلى صيغة الدولة الاتحادية، التي توصل إليها مؤتمر الحوار الوطني العام 2012، أم أن سيناريوهات التفكك جنوباً وشمالاً ضمن دولة فاشلة هو الأمر الأكثر ترجيحاً في المدى المنظور على الأقل؟

مقالات

أبو الروتي (19) "تَفْلَةُ السيد"

"وذات يوم، أبصرتْ أختي بُنُود انتفاخاً غير طبيعي في عينيّ، فارتعبت، وراحت تسألني وتقول لي: مُوْ بِهِنْ عيونك -يا عبد الكريم؟!. قلت لها: هذا من تَفْلَة السيد".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.