مقالات

ماذا عن شرعية تُربكها "تغريدة"؟!

25/07/2024, 06:45:18

حين تشعر سلطة ما بضُعف قواها، وهشاشة سلطانها ونفوذها  تُبالغ في النفير تجاه كلّ قول يُشكك في مشروعيتها كما لو كان تهديدًا جذريًا، وخطرا وشيكا يحيق بها.

تُنفق بسخاء على ذراعها الإعلامية، كمحاولة لتعويض محدودية الفعل بفائض الكلام. تفرح لكلّ قول يُطمئِنها، ويُعزز لها أوهامها، وما تتخيّله عن نفسها، ثمّ تنام بضمير نجح في تخدير نفسه، وقد توّهم درء الخطر عنه.

بالأمس كتب شاعر، يتّصِف بالحماسة ومعروف عنه كثرة ارتجال القول والبراعة في كتابة نثر شعري أو شعر نثري، كتب يقول: إنّ الشرعية هي لمن يُساند المقاومة، ولا شرعية في اليمن سوى للسلالة الحوثية. إنّه شاعر لا يكترث بالفكر، ولا بمقولات السياسة كثيرًا.

وبعيدًا عنّ ميولات التشيّع الطائفي لديه، فهو أيضًا مولع بالتشيّع في بناء الموقف؛ أي أنّه يملك خفة عالية لحسم المواقف الكبرى بجملة مرتجلة وعابرة.

ليس مهمًا كثيرًا ما قاله تميم البرغوثي عن الجهة المُستحِقة أن تُمنح صفة "الشرعية" في اليمن، فهو قول يمكن اعتباره من ضمن بحر أقوال كُثر تجوب الفضاءات المفتوحة كلّ يوم، فللحماقة سوقها ومستهلكوها.

لكنّ اللافت، هو قدرة نجم خفيف الطبع، وربما الوعي، على أن يُطلق صُفارة إنذار لدى شعب كامل، ومعه سلطته الشرعية، لتنخرط في موجة تفاعلية لتفنيد قول الشاعر وإثبات بطلانه.

في علوم الكلام (اللسانيات) هناك ما يُشبه النظرية، خلاصتها: "الفعل بالكلمات"، أي كيف يغدو الكلام فعلًا، أو كيف تفعل بواسطة الكلمات.

ومع أنّ هذه النظرية صحيحة فيما يخص علوم الفلسفة، لكنّ براعة السلطة الشرعية لليمن هي نجاحها في تطبيق فكرة فلسفية في حقل سياسي، جوهره الفعل والحضور والسيطرة على مجريات الواقع، وليس ملاحقة الأقوال المضادة أو المؤيّدة لها، والمُعترفة بشرعيتها، أو تلك التي تُشكك في مشروعيتها.

يُلاحظ المُراقب لسلطة "مجلس القيادة الرئاسي" في اليمن اهتمامه بتكوين فريق إعلامي ومضاعفة الكتلة المؤيّدة لسلطته.
ولا يوجد تفسير منطقي لهذا، سوى أننا إزاء سلطة مرتابة ذاتيًا من مشروعيتها، كما يُنبئك الولع الكبير بمضاعفة الولاءات بوجود خَرْق كبير في درجة الفاعلية العملية، وضآلة في مستوى إحكام سيطرتها على الواقع.

أقل ما يمكن من الحديث، يكفي أي سلطة لإثبات حضورها، شريطة أن يتوازى ذلك مع أكبر درجة من العمل المتواصل، ومراكمة الإنجازات والنباهة في سد الفجوات.

والحال هذه، عندما يخرج مسؤول للحديث لشعبه، وخلفه مشاهد واقعية لمسلسل إنجازات متصاعدة، لن يكون بحاجة إلى براعة في الحُجج، ولا إلى المبالغة في النفير ضدّ كل صوت يعترف بمشروعيتك أو يُناوئها.

لا يستطيع أحد فهم المدى الذي صارت تُشكّله سلطة الرأي العام ضدّ أو مع السلطة الواقعية لأي بلد.

ومهما يكن تأثيرها، فليس من المنطقي ولا المعقول أن تشعر أي سلطة بالخطر لمجرد تعرّضها لنقد أو حيازتها للولاء. على أن الأمر في الحالتين لا يُمكنه أن يُديم سلطتك ومشروعيتك، ولا يخصم من عمرها؛ فمهمتك أن توجّه اهتمامك نحو هذا الذي بين يديك، وتسأل نفسك سؤالًا دائمًا ومتجددًا، أين تكمن أدوات قوّتي، وأي المناطق التي يُتحمل أن أتعرّض للاختراق منها..؟

وفي كلّ الأحوال، لا أظن أن يكون من بين احتمالات الخطر: تغريدة شاعر في تويتر.

الخلاصة: مهما كانت الأفكار النظرية، التي تقول بها العلوم السياسية حول أهميّة امتلاك السلطة نوافذ إعلامية قوية وقادرة على توجيه الناس والتحكم بمواقفهم، إلا أن رجل السلطة من علامات ضُعفه ارتباكه أمام آراء الحشود.

فمجرد وجود قابلية للاهتزاز لدى صاحب القرار الأعلى أمام غوغائية المجالات المفتوحة، فالأمر يُنذر بعدم أهليته لصناعة مصير شعبه.
ويزداد صحة هذا الأمر لدى سلطة الشرعية اليمنية، بالنظر إلى الظرف التاريخي الذي تعيش فيه.

لا تنقُص سلطة "مجلس القيادة الرئاسي" أي قدرة نظرية على تبرير مشروعيّته.
فبالنظر لمشروعية خصمه على المستوى القانوني، يظلّ المجلس حائزًا لتفوّق يكفيه في مسألة المشروعية؛ داخليًا وأكثر منه خارجيًا.

ما يحتاج إليه هو براعة في استخدام ممكنات هذه المشروعية بما يجعله ينجح في محاصرة خصمه، وتعزيز مشروعيّته كممثل للبلاد.

باختصار، تحتاج الشرعية اليمنية إلى استثمار مشروعيتها، وليس للدفاع عنها.

صورة مع التحيّة لمجلس الثمانية..

مقالات

أبو الروتي (3)

(لحظة انطلقت بنا السيارة شعرت بأنّي كبرتُ، ولم أعد طفلا) فيما رحت أتقدّم باتجاه بيت جدي علي إسماعيل، تذكّرت كلام جدتي، وهي تودّعني عند مشارف القرية، وتقول لي:

مقالات

المساندة لكيان الاحتلال والأكفان لفلسطين!

منذ البدء؛ اختارت الكثير من الأنظمة العربية توزيع الأكفان في غزة. كان ذلك يختصر كل شيء: نتنياهو مطلق اليد، يتولى ذبح الفلسطينيين، بينما ستحرص هذه الأنظمة على أن يكون تكفين الضحايا عربياً خالصاً!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.