مقالات
ما الذي يريده الحوثي من الحوار والتفاوض؟
كان الحوثي وما يزال يرغب بابتلاع اليمن كلها، حتى وقد فشل في ذلك، ما يزال يتصرّف وفقا لهذه الرغبة، أو هذا الوهم والخيال، يتحدّث فاغراً فاه وكأنّه المسؤول أو الناطق الحصري باسم المصير اليمني. ولهذا هو يحشد ويحتشد لمواصلة هجماته هنا وهناك، وكلّما انكسر عاود الكرّة راغباً بابتلاع مأرب وما بعدها، مؤكداً بذلك دوافعه باخضاع الجميع كما هو حلمه الثابت مذ دخل العاصمة أول مرّة.
هذا هو المنطلق الحوثي في سلوكه العسكري، وفي تجاوبه مع دعوات الحوار والتشاور والتفاوض، سأحاربكم باسم اليمن كلها، وحين ترغبون بالحديث معي لن أتحاور معكم، بل سأتفاوض كممثل عن اليمن، ولهذا يسمي فريقه باسم "الوفد الوطني". مانحا نفسه صفة لا يعترف بها أحد سواه.
في علم السياسة، هناك فرق بين الحوار والتفاوض. يقال إن الحوار يجري بين أشخاص يمثلون أنفسهم، حوارا حول فكرة بين أشخاص من أماكن متفرّقة، أو حوار بين أبناء بلد حول مصير ومستقبل وطنهم، وكيف يجب أن يكون.
لكن التفاوض يختلف قليلًا عن الحوار، حيث الأول يُطلق على فريق يمثل جماعة معيّنة مقابل جهة أخرى خارجية، أو داخلية.
الحوثي لا يريد حوارا يتناقش فيه مع شركاء الوطن الواحد حول مصيرهم الجماعي. هو يريد مفاوضة يُقدم فيها نفسه كممثل للبلد أمام الخارج، وفي مقدمتهم السعودية.
إنه يرغب باحتكار الصفة الوطنية، فيما هي منزوعة عنه نهائياً، لربّما تلك رغبة لاواعية كنوع من تعويض عقدة النقص لديه، وشعوره بقلق المشروعية.
لكن رغبة الحوثي هذه، بقدر ما هي خيالية وغير ممكنة عمليا، تظل رغبته الخاصة ولا أحد بمقدوره أن يمنعه من توصيف نفسه كما يشاء، على أنها تبقى صفة لا يتجاوز مداها محيطه الخاص، وسوف يظل الآخر يتعامل معه كممثل لجماعة خاصة، ليس في سلوكها ما يؤكد أي طابع وطني عام.
لكن ما هو جديد، وخطير في الحياة السياسية اليمنية، هو ما يمثله الحوثي فيها، لقد عملت الجماعة على تنشيط التقسيمات الطائفية والمذهبية، وبات لدينا طرف شرعي يضم أغلب القوى الوطنية، مقابل جماعة تمثل طائفة ومذهبا، هي لم تكن حاضرة قبل سنوات كجماعة متمائزة، أو لها كيان مفصول مقابل وطن عام للجميع.
قبل دخول الحوثي صنعاء، كان لدينا حوار، وكان الحوثي جزءا منه، لقد حاول الجميع دمجه في الفضاء الوطني العام؛ لكنه كان يرغب بالسطو عليه بشكل كامل، قالباً المعادلة بطريقة مختلّة ومعكوسة، حيث الجماعة صارت متلبّسة للصفة الوطنية العامة، فيما سلوكها ظل هو نفسه سلوك جماعة طائفية، ترتدي ثوبا لا تنتمي إليه، وهو أكبر منها.
بمقدور أي نظام سياسي ذي صبغة وطنية احتواء أي جماعة وفريق يبدو خارج الفضاء العام، أما أن نكون أمام وضع مقلوب، فالأمر يناقض قواعد المنطق والإجماع السياسي، ولهذا أي حوار بين جماعة صغيرة تقدّم نفسها كممثلة للبلد وبين الآخرين من البلد نفسه -وهم أغلبية- يبدو عسيرا، ما لم يُعَدْ تعريف الوضع بمفاهيمه الصحيحة، ويتوقّف الحوثي عن تقديم نفسه وفقا لأوهامه القديمة والمتجددة، ورغبته بابتلاع البلد، ومعه جميع قواه وفصائله.
لا يرفض الحوثي دعوات مجلس التعاون الخليجي لكونه رافضاً للتفاوض؛ بل لكونه لا يريد الحوار مع أغلبية اليمنيين، هو يتوهّم في قرارة نفسه أنه يمثلهم، وبالتالي لا يراهم ولا يرى ضرورة للحوار معهم، كل ما يريده هو أن تُقر له السعودية بكونه الكيان الأبرز في اليمن، وتتقبل مبدئياً هذه الفكرة، ثم على أساسها يمكنه الحديث معها ومع بقية الفصائل.. بما فيهم الشرعية ككيان أساسي في البلد، والممثل العالمي لدولة اليمن.
طريقة الحوثي في التعاطي مع دعوات الحوار والتفاوض تعكس رغبته هذه، هو يريد تجاوز فكرة الشرعية، ويرفض التعامل على أساسها، يرفض الإقرار بأنه فصيل مارد يحتاج إلى التراجع عن جموحه؛ كي يكتسب صفة مشروعة، بل يريد إلغاء المشروعية كأرضية دستورية، وخوض التفاوض دون أي تعريفات مسبقة تحدد صفته وصفة الطرف الآخر الحامل للمشروعية.
الخلاصة: تبدو مواقف الحوثي، بعد 7 سنوات حرب، هي نفسها مواقفه منذ أول شهر للحرب. تتصرّف هذه الجماعة انطلاقا مما تطمح إليه، لا مما يجب عليها، تريد أن تحصد بالسلام مثل ما كانت تهدف إليه بالحرب. أمام جماعة صماء، سيكون مصير الشعب غامضا ومسدودا، ولا أمل كبير يمكن تعليقه على هذه التحرّكات الإقليمية والدولية الأخيرة، وحشد القوى للتشاور والتمهيد لحوارات ومفاوضات. لا شيء يؤكد نضوج الوقت لحسم الحرب، والوقت لا يُنضِّج شيئًا في خيال جماعة تقامر وتتصرف كطفل أمام مصير شعب كامل معلَّق في الهاوية.