مقالات

ما المطلوب أمريكياً من 'طالبان المعدَّلة'؟

17/08/2021, 18:14:06
المصدر : خاص

التنازلات الكبيرة التي قدّمها مفاوضو الحكومة الأفغانية، ومن ورائهم الأمريكان، لحركة "طالبان" في الدوحة، خلال الأشهر الماضية، كانت تشير إلى أن هناك تسويقاً جديداً للحركة، بوصفها قوة مؤثرة على الأرض، ويصح أن تكون شريكا سياسيا فاعلاً ومقبولاً، بعد عشرين عاماً من طردها من الحكم، والتجأ بعض قاداتها إلى جبال معزولة مع القاعديين، تطاردهم المسيَّرات في "تورا بورا"، والكثير من قياداتها الوسطى سِيقوا كالنعاج إلى "جوانتانامو"، قبل أن يُفرج عن بعضهم، ويصيروا جزءاً من مفاوضي الحركة في الدوحة، وإلى سجون قاعدة "باجرام" الجوية خارج العاصمة كابول، التي احتوت سجناً كانت تحتجز فيه القوات الأمريكية والأفغانية قرابة خمسة آلاف مقاتل من مقاتلي الحركة، حسب تقارير صحفية. 

بدأت المفاوضات "الطالبانية- الأمريكية" في ذروة الصلف "الترامبي" في المنطقة في ربيع العام 2019، في العاصمة القطرية (الدوحة)، وانتهت بتوقيع اتفاق تاريخي بين الطرفين، وفي أوج التحشيد لضرب إيران في مارس 2020، قضي هذا الاتفاق بالانسحاب التدريجي للقوات الأجنبية، ترافقه عملية خفض العنف، وعدم الاعتداء على القوات الأمريكية، وقوات الحكومة الأفغانية الحليفة، وهو الأمر الذي لم تلتزم به الحركة، ولم تتشدد حياله أيضاً القوات الأمريكية عشية انسحابها.

كانت أهمّ وعود الرئيس الديموقراطي، جو بايدن، في حملته الانتخابية التي قادته بعد أشهر من حبس الأنفاس إلى موقع الرئيس السادس والأربعين للولايات المتحدة الأمريكية في يناير 2021م، هو سحب القوات الأمريكية من أفغانستان، مع التزام حكومته بحماية الدولة  الحليفة الهشّة ودعم جيشها.

مع بدء انسحاب الجنود الأمريكيين من المواقع الحيوية، خلال الأشهر الماضية، ونقل المئات من الأفغان الذين تعاونوا مع الجيش الأمريكي إلى قواعد أمريكية داخل الولايات المتحدة الأمريكية وخارجها، بدأ الزحف الطالباني بذات السرعة والعصف الذي دخلت به العاصمة أول مرّة في سبتمبر 1996م، بعد عامين من تأسيسها من طلاب المدارس الدِّينية في باكستان وأفغانستان.

تساقطت أمام جحافلها

الملتحية "القلاع والثغور"، التي ظنّها الأفغان محصنَّة بعد عشرين عاماً، وتبخّر أمامها أكثر من ثلاث مائة ألف من جنود الجيش الأفغاني، التي قالت أمريكا إنها درّبته لحماية مكتسبات الدّولة العصرية، التي أثبتت الأيام أنها دهنتها بزيوت لامعة فقط، وعلى حيطان رملية.

غادر القادة بنياشينهم إلى حواضنهم القبلية والقومية، وترك الرئيس قصره بلوحاته وطنافيسه وصالاته الرياضية، وحمل معه بأربع سيارات مدرّعة وطائرة "هيلوكوبتر" ما خفّ وزنه وغلا ثمنه من الأموال والمجوهرات باتجاه طاجكستان المجاورة، كما زعمت بعض الأخبار.

بعد هذا الفرار حاول ألوف الأفغان الفرار كلٌ بطريقته، ومنها محاولة ركوب طائرات نقل عملاقة، أرسلها الأمريكان إلى مطار كابول لإجلاء البعثات، والمتعاونين معهم، فاستقبلت الجموع الطائرات، واحتشرت بها في رحلة بحث عن حياة خارج الزمن الطالباني. ورأينا في المشاهد المأساوية كيف سقط بعضهم من على الأجنحة والعجلات، التي تشبثوا بها، هرباً من الجحيم المُرتقب.

بعد عشرين عاماً، عادت طالبان إلى حكم أفغانستان برغبة أمريكية في الغالب، فسليل المجاهدين وطلابهم المتشددين، الذين كانوا جزءا من الصناعة الاستخباراتية الأمريكية قبل أربعين عاماً بعد الغزو السوفيتي لأفغانستان في ديسمبر من العام 1979م، هم من تحاول الدوائر ذاتها، في الغرب وباكستان، تسويقهم اليوم كنسخة جديدة ومعدّلة (بضبط مصنعي ناعم)، والرهان على خطواتهم السياسية سيكون مقدّماً على تشددهم الدِّيني، إلاَّ في مسائل الأصول الدّينية التي قال عنها مروان الغفوري "قد تتسامح طالبان "السلفية الجهادية" في مسائل تخص الثقافة والسياسة، غير أنه من المستبعد أن تسمح للشيعة بممارسة طقوسهم علانية، أو التعبير عنها. ما يفعله الشيعة، وفقا لتعاليم طالبان، يتجاوز مسائل الفروع إلى الأصل: الكفر والإيمان".

فهي حسب الغفوري أيضاً: 

"لم تتأخر كثيرا، سرعان ما شاهدنا مقاتليها وأنصارها وهم يزيلون اليافطات الشيعية، لوحات الحسين، وكل مظاهر التشيّع من الشوارع. حتى الآن تبدو الحركة وكأنها قد غفرت لمن قاتلها، ومن حرض عليها، وترسل إشارات موجبة بشأن المرأة والتعليم والشراكة.. تبدو، حتى اللحظة، متسامحة بعض الشيء ويتحدث مسؤولها عن حكومة واسعة الطيف. فيما يخص التشيّع فتلك مسألة منفصلة كلياً. ثمة واجب لله تراعيه طالبان، وترعاه: أن لا يشرك به في رابعة النهار. تنتمي كل طقوس الشيعة، وفقا للمدونة العقائدية الطالبانية، إلى فصل الشرك الواضح".

السؤال هنا: هل أعادت أمريكا تموضع الطالبيين الجدد في الدولة الملتهبة المجاورة لثلاث مناطق  تهدد نفوذها داخل وخارج المنطقة، حتى تخفف الكثير من الضغوط على نفسها؟ فقد صارت - منذ منتصف آب 2021 الملتهب- الصين في هذا التموضع في شرق الحركة وروسيا في شمالها وإيران في غربها، وأن الثلاثة الأعداء لأمريكا يتكثفون في صورة إيران الحليف الاستراتيجي العسكري والأمني لروسيا في سوريا، والشريك الاستراتيجي للصين منذ أواخر شهر مارس الماضي، حين وقعت الدولتان اتفاقية وفرّت لإيران غطاءً مهماً للهروب من العقوبات الأمريكية والغربية، ووفّرت للصين منطقة نفوذ حيوي.

اتفاقية الشراكة هذه موقّعة لمدة خمسة وعشرين سنة؛ وتركِّز على "الأبعاد الاقتصادية، التي تعد المحور الأساس لها، ومشاركة إيران في مشروع الحزام والطريق"، وهي الخطة الصينية الضخمة لإقامة مشاريع بُنى تحتية تعزز علاقات بكين التجارية مع آسيا وأوروبا وأفريقيا"، كما أوضح البيان الصحفي الذي أعقبها.

إيران، التي بقيت مطمئنة على ظهرها في الحدود الشرقية طيلة عشرين عاما فتغلغلت غرباً في المنطقة، ومدت أذرعها إلى العراق وسوريا ولبنان واليمن، هل ستعيد حساباتها من جديد مع صعود سلطة جديدة بمضامين أيديولوجية متعارضة مع التشيّع المتشدد الذي تنتهجه؟ وهل لأمريكا دورٌ مستترٌ في إعادة تنصيع الحركة كسلطة مقبولة سياسياً في الداخل، لكنّها غير متسامحة أيديولوجياً مع خصومها الطائفيين؟ هذا السؤال يرتبط أيضاً بسؤال موازٍ، وهو: كيف يمكن قراءة الدور القطري شديد الالتباس في كل ما هو حاصل، فهي الحاضنة السياسة للحركة وراعيتها، وفي الوقت ذاته هي أقرب حلفاء إيران في المنطقة؟

تعصف بالمنطقة فوضى عارمة (أمنية واقتصادية) لا أول لها ولا آخر: في أفغانستان ومجاوراتها، وإيران والعراق ولبنان وسوريا والبحرين واليمن وفلسطين ومصر وليبيا وتونس والجزائر، وفي هذا الجو تعمل أمريكا وبكل الوسائل على قيادة العالم من أكثر الزوايا التباساً وتعمية. هي لم تفشل في أفغانستان، ولا في العراق، بل نجحت في إنجاز مهمتها على وجه أفضل، كما يقول الدكتور ياسين الشيباني، الذي استطرد بمنشور على حائطه في "فيس بوك":

"عندما قامت أمريكا بغزو أفغانستان، مطلع هذا القرن، إثر الهجوم الإرهابي على مركز التجارة العالمي في نيويورك، كانت مدركة تماما لمدى تعلّق الأفغان بالنموذج الجهادي الذي تمثله 'طالبان'، فكانت المهمة هي صناعة نسخة جديدة من طالبان بمقاييس أمريكية!!

لم تكن هذه المهمة سهلة، لذلك استغرق إنجازها 20 عاماً، ولكنها تمت في النهاية بنجاح، فركب الأمريكيون طائراتهم متظاهرين بالهروب في مشهد 'هوليودي' مثير!

لقد تم نقل السلطة إلى 'طالبان الجديدة' بشكل سلمي وسلس لم يحدث في أمريكا نفسها.

حصل الأفغان على نموذجهم الجهادي في السلطة، وحصل الأمريكيون على وكيل محلي مقبول شعبياً، يدّعي محاربة أمريكا ويرعى مصالحها في الوقت نفسه".

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.