مقالات

مجلس القيادة الرئاسي والأسئلة التاريخية (2/1)

11/04/2025, 11:59:14
بقلم : فهمي محمد

كان أول كتاب قرأته في صغري - لمحات من تاريخ العالم - الكتاب ملك الرفيق عبدالسلام مهيوب هزاع، أما مؤلف الكتاب هو "جواهر لآل نهرو" مفكر وسياسي مسطور بحبر الوطنية في ذاكرت الشعب الهندي.

صحيح أن الكتاب في رحلة الإعارة لم يعد حتى اليوم إلى صاحبه، لكن قراءة الكتاب صنعت في داخلي إنسانا ممتنا يندفع لتقبيل رأس صاحب الكتاب كلما التقيت به.

الكتاب هو تجميع للرسائل التي كان يكتبها نهرو من السجن إلى ابنته انديرا غاندي، وهي رسائل مختصرة عن الثورات والكفاح، وعن النظريات والصرعات والاستعمار.

ما جعل ذكر هذا الكتاب مدخلا لهذا المقال أنه في رسالته، التي كتبها عام 1931م تحت عنوان هدية العام الجديد، قال نهرو "إن قراءة التاريخ أمر حسن، ولكن الأفضل منه أن يُساهم المرء في صنع التاريخ"، في اعتقادي أن ما ذهب إليه هذا الاستثنائي في رسالته لابنته لم يكن مجرد توصيف مثلي لما هو أفضل للمرء، بل هو تعبير عن إدراك القائد السياسي للدور المناط به تجاه شعبه ووطنه في أهم المنعطفات التاريخية.

رحلة الحج إلى السجون «كما يسميها» لم تكن لتحدث، لو لم يكن نهرو قائداً لشعبه المتطلع للحرية، وهذا يعني أنه من موقع القيادة السياسية أدرك أنه معنيٌ بصنع تاريخ سياسي ستظل صفحاته مفتوحة على أسئلة الأجيال القادمة، لهذا صنع التاريخ وتحوّل إلى أحد عمالقة القادة المرموقين في العالم، وأحد أبرز مؤسسي "دول عدم الانحياز".

أسئلة الأجيال المتعاقبة عن دور القادة، الذين ساهموا في صناعة حاضر الأجيال سلباً أو إيجاباً، هي الأسئلة التاريخية التي نقصدها، ومع ذلك أتساءل: هل أعضاء مجلس القيادة الرئاسي، من موقع القيادة السياسية والمسؤولية الوطنية تجاه الشعب اليمني، يدركون أن الأسئلة التاريخية عن دورهم قد أصبحت مطروحة اليوم، قبل أن يتم طرحها من قِبل الأجيال القادمة؟!

وأن هذه الأسئلة بقدر ما هي أسئلة متعلقه بدورهم السياسي والعسكري تجاه المستقبل الذي يجب أن يكون في اليمن، بقدر ما أن طرحها سيكون دائما وابدا بمعيار الفكرة الوطنية، الأمر الذي سيجعل وجودهم في ذاكرة اليمنيين إما مجرد لعنة تاريخية حلت باليمن، أو أعلاما تاريخية ورموزا وطنية وقادة صنعوا صيرورة التاريخ في اليمن.

ومع أن مخرجات مجلس القيادة الرئاسي في اليمن قد تحوَّلت إلى حيثيات تُؤسس للمنطوق الأول على حساب الثاني، إلا أن الوقت مازال سانحا لتمكين أعضاء المجلس من خوض معركة الأدلة الوطنية، ربّما هذا سيكون من حسن حظهم بعد أن تناسخت الأسئلة التاريخية عن دورهم السياسي والعسكري، وأصبحت قابلة للتداول السياسي بين اليمنيين في ذكرى تأسيس المجلس بشكل يجعل المجلس علامة استفهام سلبية، بدلا من أن يكون في نظر الكثيرين علامة وطنية فارقة في تاريخ اليمن.

قبل الحديث في صلب الأسئله التاريخية يجب أن يدرك هؤلاء الثمانية أن قبول الكثيرين من اليمنيين لمسألة انتقال سلطة الشرعية من الرئيس عبد ربه منصور هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي، أو حتى عدم معارضة هذا الانتقال السياسي من قِبلهم حتى وإن بدا في حقيقة الأمر معارضا لمفهوم الشرعية التي كانت بالأساس هي شرعية التوافق السياسي الوطني، إلا أن قبول ذلك كان راجعا إلى ثلاثة أسباب، بدت منطقية بمنطق الضرورة والبحث عن الممكن، وذلك على النحو الآتي:
السبب الاول: هو حاجة اليمنيين إلى قائد للشرعية يطل عليهم بشكل مباشر، ويكون موجودا داخل اليمن، ويخوض بهم معركة الانتصار لمستقبل الدولة، واستعادة الشرعية بعد أن تم إقامة الرئيس عبد ربه منصور هادي في الرياض، وتغيُب حضوره المباشر من قِبل سلطة المملكة العربية السعودية، وإذ كانت هذه الأخير، لأسباب خاصة بها، لا ترغب بالحضور المباشر لهادي أو عودته إلى العاصمة عدن فإن منطق الضرورة يقول بجواز نقل سلطة الرئيس هادي.

السبب الثاني: طبيعة الدعوى إلى مؤتمر الرياض، لاسيما وهي موجَّهة لحضوره معسكر الشرعية فقط، وليس لحضور ممثلين عن الشرعية والانقلابيين، وهذا الأمر جعل الكثيرين من اليمنيين يعتقدون أن مؤتمر الرياض وحتى مخرجاته تأتي بصدد التوجّه الجاد للمملكة العربية السعودية المتعلق  بمراجعة سياستها، ومعالجة أسباب الإخفاقات التي تخللت معركة المواجهة مع الحركة الحوثية.

بمعنى آخر، حتى بمنطق المصالح السعودية، كان تحليل المعطيات السياسية والعسكرية يقول أثناء عقد مؤتمر الرياض إن الإخفاقات والممارسات التي أعاقة معركة الانتصار على الحركة الحوثية منحت الوقت الكافي وطول العمر للحركة الحوثية، في حين أن هذا الوقت الممنوح عبثا للحركة الحوثية مكَّنها من الحصول على الصواريخ الباليستية، وعلى سلاح الجو المسيَّر من حليفتها المخلصة "إيران".

وإذا كان هذا السلاح قد وجهته الحركة الحوثية كفعل إستراتيجي نحو ضرب عُمق المملكة العربية السعودية بدرجة أساسية، واستهدافت مصالحها النفطية الكُبرى، أكثر من ضرب عُمق الشرعية في الدّاخل اليمني، فإنه من الطبيعي أن تعض السعودية أصابع الندم، وتفكِّر بالانسحاب من معركة التدخل العسكري الجوى، لكن عدم التدّخل لا يعني تسليم اليمن للحركة الحوثية، بل يعني ذهاب السعوديه لترميم الشرعية، وتحويلها إلى سلطة سياسية قوية في الداخل اليمني، الأمر الذي جعل مسألة انتقال سلطة الشرعية من قيادة الرئيس هادي إلى مجلس القيادة الرئاسي تبدو وكأنها في سبيل إيجاد سلطة سياسية قوية توحِّد الشرعية اليمنية، وتجمع شتاتها السياسي والعسكري.

مقالات

حسين مُحب.. صلة وصل بين زمنين

في أعماق الفنان حسين محب روح طربية شجية تتناغم مع إيقاعات الذات اليمنية التي أبدعت هذا التراث الغنائي الفريد والمتنوع. صوت شجي مشبع بشحنة هائلة من إيحاءات عميقة تعيد ضبط وجدان المستمع مع روح اليمن الجمعية الساكنة في أعماقه.

مقالات

فرصة للنجاة أم حلقة صراع جديدة؟

الضربات العسكرية الأمريكية على مليشيا الحوثي تدخل شهرها الثاني. ما هو مؤكد أن هذه الجماعة، التي استدعت التدخلات الخارجية بالانقلاب في سبتمبر 2014 وبالهجمات على الملاحة في البحر الأحمر، تتعرّض لضربات غير مسبوقة أمريكياً.

مقالات

الزمن كطقس: عودة الإنسان إلى جذره الحِميري

في الأول من شهر "ذو ثابة" اليمني الحِميري، ترتجف الأرض من فرط الخصوبة، وتبدأ الرِّيح في هدهدة السنابل الأولى، ينطق الزّمن بلغة المسند، معلنًا بداية السنة الحِميرية، لا بوصفها رقمًا يُضاف إلى جداول النسيان، بل باعتبارها لحظة انبثاق لهوية اعتُصرت طويلًا بين فكي النسيان والاستلاب

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.