مقالات

مسلسل"طريق المدينة" مهمّة تنويرية لتحرير المرأة الهاشمية

15/04/2022, 22:23:21
المصدر : خاص

منع النسوة المنحدرات من عوائل ما يُسمى "آل البيت" من الزواج بباقي الرجال من البيوت اليمنية الأخرى هو الشق الاجتماعي الأخطر من العنصرية الإمامية، وفكرة الإصطفاء.
 وهي لا تقل خطورة عن نظرية "البطنين" السياسية، وحصر الحق في الحكم في نسل فاطمة وعلي.

لا يمكن تثبيت فكرة المواطنة، كمبدأ تأسيسي للدولة اليمنية الحديثة، ما لم تترسخ أولًا مواطنة اجتماعية لا تعترضها أي حواجز في التمازج بين أبناء المجتمع الواحد.
لمجرد أن امرأة تنتمي لأسرة معيّنة، وتُربى نفسيا منذ طفولتها بأن مستقبلها الاجتماعي مقيّد بمساحة روابط محددة لا يحق لها تجاوزها، فنحن لا نرسم لها تفضيلات شخصية عادية؛ بل نهدم بداخلها أي إمكانية للوعي بفكرة "المواطنة المتساوية".

ماذا يعني أن هذه الفتاة لا يحق لها الارتباط الحر بأي رجل تميل إليه..؟ يعني أننا أمام ثقافة اجتماعية خطرة، تسهم في إنشاء جزر ومساحات جغرافية وبشرية مسوّرة ومعزولة داخل الفضاء الوطني العام، الأمر أشبه بحقل ألغام، يعيق أي عملية تحديث واندماج اجتماعي في الطريق نحو فكرة الأمة/الدولة.
ما يجعل فكرة المنع هذه واحدة من الأفكار المسمومة والوعي الممانع لأي استقرار للاجتماع البشري في البلاد.

ثم ماذا ينتج عن هذه الفكرة العنصرية "منع الهاشميات من الزواج برجال من باقي الأسر اليمنية"..؟ لا شك أن النتيجة -من الناحية النفسية- كارثية، لعلّ واحداً منها هو بروز اختلالات جنسية، إحدى ظواهرها الجزئية، ما سردته رواية "الرهينة" لزيد مطيع دماج، عن السلوك العاطفي لنسوة قصر الإمام.
وأعاد مسلسل "طريق المدينة" تمثلها بصورة أو بأخرى.

لا يمكن موارة هذه الاختلالات، بحجة منع الإساءة لقطاع من المجتمع، فهذا نوع من استدامة المشكلة، تحت غطاء حماية القيم، فيما الحقيقة أن أكبر انتهاك جذري للقيم الأخلاقية هو بقاء فكرة عنصرية تعيق النشأة المتوازنة لهذه الفئة من المجتمع. وتدفعهن بشكل لا واعي إلى ميولات صادمة، وهن بذلك ضحايا يتوجّب التضامن معهن، وأهم خدمة يمكن تقديمها لهن هو في اخراج هذا الموضوع للسطح والجدل بشأنه.
هذا سلوك بحد ذاته يسهم في تجاوز العقدة، بواسطة التحرير الواعي لها.

حسناً، في أحايين كثيرة يسهم المرء في تحقير مكانته، في الوقت الذي يعتقد أنه يستجلب لنفسه قيمة فارقة عن بني جنسه، يكون السعي للتميز طريقه نحو الانحدار، فهو لا يفشل في تثبيت تميّزه؛ بل يفقد قيمته المتساوية مع الأخرين، فالناس يميلون إلى رفض الاعتراف بكل من يحاول التعالي عليهم، لدرجة تجريده حتى من قيمة التماثل معهم. إنك حين تدّعي لنفسك قيمة متجاوزة للبشر، فأنت بالضرورة الضمنية كما لو أنك ترغب في خفض قيمتهم، حين تؤسس لنفسك مكاناً أعلى منهم، وبهذا تمنحهم الحق أن يرشقوك بالحجارة، وربما أسقطوك، ولن يكتفوا بأن يُنزلوك إلى مقام تتساوى فيه معهم؛ بل من الطبيعي أن يأخذهم حنقهم كي يذهبوا أبعد من ذلك، ويدفعهم جرحهم لتبخيسك؛ كعقوبة على جرأتك في اختراق فكرة المساواة البشرية، واتخاذك نهجا متعاليا عليها.

هكذا أسهمت العنصرية الإمامية في جلب المهانة لنفسها، حين أصرّت على أن تبتدع لنفسها مقاماً اجتماعياً مفارقاً للبشر. وعليه فإن أهم خطوة لتسوية التوترات داخل المجتمع تبدأ بتدمير ثقافة الحظر الاجتماعي المفروض داخل العوائل المنضوية تحت ما يسمى" آل البيت"، وهو حظر يحدث بطريقة عفوية ومتواترة لها علاقة بالتنشئة، ما يجعل اختراقه عبر الفرض المؤسسي والتعليم المنهجي في المدارس أمراً مقروناً برسوخ دولة المواطنة، وهي غير متوفرة الآن وتحتاج وقتاً؛ كي تصل إلى ظرف تكون فيه قادرة على أداء مهمة متعلقة بالدمج الاجتماعي.

وحتى ذلك الحين، نملك روافد ثقافية عديدة ونوافذ كثيرة؛ كي نمهّد الطريق نحو فكرة المواطنة، ولعلّ أهم وسيلة قادرة على تعبيد الأجواء نحو هذه الغاية هي الأعمال الدرامية والفنية بمختلف تنويعاتها.

مسلسل "طريق المدينة" نموذج لهذا التنوير الاجتماعي، اشتغال درامي لتحرير المجتمع من أمراض العنصرية والدفاع عن فكرة المواطنة الحرة.
 ليس القول: إن النسوة اللواتي يُطلق عليهن" شريفات" محرومات من العلاقة برجال من خارج عوائلهن. ليس في هذا القول إساءة لهن. بل العكس هو الصحيح، فجوهر الانحطاط والمهانة البشرية هو في الحظر الممارس داخل هذه العوائل والحجب المسبق لحقهن في إقامة واختيار روابطهن التجتماعية بشكل حر.

أنت لا تحفظ لهذه المرأة تميّزها حين تصادر حريتها في اختيار مصيرها كيفما ترغب، بل تسهم في عزلها، وترتكب جريمة أساسية في تحجيم مساحة حركتها، وتقلص خياراتها بشكل يورّثها عقدة نفسية، ويعيق تفتقها الأخلاقي المفتوح. وعليه فأعظم نضال أخلاقي يتمثل في أن نعيد للنسوة المسميات "شرائف" حقهن الأصيل في اختيار أنفسهن، بعيدا عن ضغط موروثهن العنصري المدمّر.

الفكرة أعلاه ليست سوى جزئية صغيرة في مضمون مسلسل "طريق المدينة"، غير أن الناس تجاوزوا المحتوى العام، وركزوا على هذه النقطة.

وبالمجمل، فليست هذه مشكلة، ففي كثير من الأحداث والمواضيع الكبرى يحدث أن تنال جزئية اهتماما متضخما ولأسباب كثيرة، وهي مناسبة تفتح المجال لتفكيك الفكرة المركزية بكاملها. ما يجعلنا بحاجة إلى إعادة فتح جدل حول سلوك الإمامة تجاه المرأة اليمنية، وفي مقدّمتها المرأة  الهاشمية، وليس في ذلك أي تمييز لها أو جرح لكرامتها، بل هو مسعى لتحرير هذه الكرامة الجريحة، وإعادة الاعتبار لها كمواطنة يمنية لها كامل القدسية كأي امرأة أخرى، بعيدا عما حاولت الإمامة تكريسه طوال قرون من تمايز، هو الجذر المولّد لكل إساءة وانحطاط.

ملاحظة: حديثي أعلاه ينطلق من أحد مضامين المسلسل، ويناقشه كفكرة، بعيدا عمّا يمكن قوله فنيّاً عن مدى تمكن هذا العمل الدرامي من استكمال العناصر الفنية  وتجسيد الفكرة بصورة مثلى.

فما يهمني هنا هو طرق فكرة حساسة، وفتح المجال لتناولات أخرى ممكنة ومن سياقات عديدة، لتفكيك هذه الظواهر المتخلّفة.

الخلاصة: أدق توصيف للمشاهد المتعلقة بالمرأة المنحدرة من بيوت هاشمية، في مسلسل طريق المدينة هو أنه أول عمل درامي يهدف إلى حماية إنسانية المرأة الهاشمية وحقوقها المستلبة، يفتح جراحها، كي يسهم في تنقيتها من اللوثة، وبداية العافية هي التشخيص الشجاع بلا تمويهات ولا حجب لجرح، إن لم نطهره فلسوف يتعفّن، وليس ذلك في مصلحة أحد، وفي المقدّمة النسوة الهاشميات، مع كامل الإجلال لهن.

مقالات

أبو الروتي (3)

(لحظة انطلقت بنا السيارة شعرت بأنّي كبرتُ، ولم أعد طفلا) فيما رحت أتقدّم باتجاه بيت جدي علي إسماعيل، تذكّرت كلام جدتي، وهي تودّعني عند مشارف القرية، وتقول لي:

مقالات

المساندة لكيان الاحتلال والأكفان لفلسطين!

منذ البدء؛ اختارت الكثير من الأنظمة العربية توزيع الأكفان في غزة. كان ذلك يختصر كل شيء: نتنياهو مطلق اليد، يتولى ذبح الفلسطينيين، بينما ستحرص هذه الأنظمة على أن يكون تكفين الضحايا عربياً خالصاً!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.