مقالات

مصر في ضوء النقوش اليمنية

09/08/2023, 07:55:47

في محاضرة الدكتورة عميدة شعلان، تناولت المحاضرة مصر في ضوء النقوش اليمنية القديمة (تابوت التاجر المعيني أنموذجا).

تقول الدكتورة: "إن النقوش التي عثر عليها في مصر تتيح من خلال تنوع خطوطها واختلاف مضامينها وتركزها في مناطق مسالك الطرق التجارية القديمة في مصر فرصة لمعرفة الاقوام والقبائل العربية التي ارتبطت بعلاقات اقتصادية مع مصر". إضافة لما ذكر سابقاً من نقوش معينية في مصر، تؤكد النقوش الحضرمية، التي عثر عليها في وادي الحمامات، على مشاركة أبناء شعب ومملكة حضرموت في نقل تجارتهم الخارجية إلى مصر.

وتتناول المحاضرة تلك المصادر، وتشير إلى أن بعضا منها يعود إلى نقش حضرمي مصدره وادي الحمامات (مصر)، [فلك سينم من عشرة حريمم، ومصدر آخر حضرمي من وادي الحمامات (وادي القصير) خديم من قسم آل الهجري. أما الثالث فمعيني مصدره بئر منيح مصر؛ يذكر آل من عشيرة حي آل معيني. أما الرابع وهو معيني معروف لدى الدارسين بنقش تابوت التاجر المعيني (زيدال)]. 

تذكر الأكاديمية المحاضرة أن دراسات عدة قد نشرت عنه؛ منها لعلماء النقوش اليمنية القديمة (البريطاني بيستون، والألماني مولر، والفرنسي روبان)، وتشير في المحاضرة العلمية القيمة إلى أن أحدث هذه الدراسات دراسة عبدالمنعم سيد وعبدالحليم؛ حول مشكلات ترجمة نقش تابوت التاجر المعيني (زيدال).

كما تتناول مكان العثور على التابوت، مشيرة إلى أن المتحف المصري في القاهرة اشتراه قبل مائة عام من أحد تجار الآثار، وحفظه في مخزن المتحف لسنوات.

- مصدر التابوت 

تتحدث عن اختلاف العلماء في مصدر التابوت، لعدم العثور عليه؛ نتيجة حفائر، فمنهم من يرى أن الفيوم هي مكان العثور؛ نظرا لوجود جالية عربية في الفيوم في عصر البطالمة. وكان أفرادها يشتغلون كحراس في الصحراء، ورأي ثانٍ ينسب العثور إلى بولاق؛ لانتسابه إليها (تابوت بولاق)، وقد نقل إلى متحف الجيزة، وسمي تابوت الجيزة بعد نقله. وينسب الرأي الثالث إلى عبدالمنعم سيد، الذي يرى أن العثور عليه في "جبانة سقارة"؛ لأنه المصدر الأصل في أغلب الاحتمالات. 

- وصف التابوت

تصف الباحثة المحاضرة التابوت بدقة متناهية؛ فهو -حد وصفها- مستطيل الشكل، طوله مائتا سانتي، وعرضه ستين سم، وارتفاعه ٣٩ سم. أما سمك الخشب فحوالي ١٥ سم بدون غطاء، وقد شُكل من الداخل على هيئة جسم إنسان. وقد حفرت إحدى عشرة فجوة حول حواف التابوت، ست فجوات من الناحية اليمنى، وخمس فجوات في الجانب الأيسر. وعلى أحد جانبيه، نفذت كتابة بخط المسند في ٣ أسطر باللهجة المعينية بعدد حروف "٢٣٢ حرفا" و"٥٥ فاصلة"، وتتحدث عن مادة التابوت من خشب الجمييز؛ كما تأتي على تفريغ النقش بالحروف اللاتينية والعربية.

وتذكر الترجمة الألمانية لمولر، والترجمة الفرنسية لروبان، في المدونة الألكترونية CSAI، مشيرة إلى ما سبق من تحليلات لبعض الألفاظ من قِبل رودو كانكيس (ذاكرة الترجمة العربية) لسعيد السعيد، وتدوّن النقش، وتقرأ معناه. 

- تأريخ التابوت 

ترجع الباحثة تأريخ التابوت إلى عصر البطالمة (٢٦٣ -٢٦١ قبل الميلاد في السنة ال٢٢ من عهد بطليموس الثاني فيلادلفوس ٢٨٢- ٢٤٦ ق .م)، ذاكرة أن عصره تميّز بفتح طريق التجارة مع الجزيرة العربية.

وتذكر المحاضرة أن "زيدال كان هو المسؤول عن تزويد المعابد المصرية بمنتجات اليمن عن طريق البحر. وكان يجلب من مصر إلى اليمن المنسوجات العربية"، وتقول: "ونرى أن زيدال قد حصل على لقب ديني (وعب)، وهو لقب مصري يعني الكاهن المطهر". وتضيف: "ولعل زيدال عمل في معبد سيرابيوم بسقارة. ويرى رودو كانكيس أن الكهنة المصريين قبلوا انخراط زيدال في سلك الكهنوت بينهم؛ رغم أنه أجنبي؛ لكي يضمن لهم الحصول على المر والقليمة من موطنه مباشرة". 

تشير المحاضرة في الخاتمة إلى أن النقوش، التي عثر عليها في اليمن ومصر، أثبتت أن اليمن في تلك الفترة كانك المسيطر على التجارة الدولية، سواء عن طريق التجارة البرية، أو طريق الملاحة البحرية، وتؤكد أن العلاقة اليمنية - المصرية كانت متميزة في الجانب الاقتصادي بالدرجة الأولى، مستشهدة بنقش تابوت التاجر المعيني (زيدال) كدليل على هذا التواصل الحضاري بين البلدين.  

وأكدت -حسب النقوش- أن أسواق مصر كانت مفتوحة أمام التجار، وأنها كانت تجارة رابحة. وتقول: "إن أهم ما يميز نقش التاجر المعيني زيدال هو استخدامه كثيرا من المفردات المصرية كدليل على اندماج اليمنيين مع المصريين، والاختلاط بالعادات والتقاليد المصرية"، مقدرة أهمية النقش في كتابة تاريخ العلاقات الاقتصادية القديمة بين البلدين. كما أنه شاهد مباشر على تنصيب التاجر المعيني كاهناً في معبد الإله المصري القديم (أوسيرحاب). 

ضمن ما يطلق عليه في سلم الوظائف الدينية للمعبد سمي كهنة: وب (و ع ب)، معتبرة ذلك دليلا على تسامح أرباب المعابد المصرية في دخول الأجانب، وانخراطهم في خدمة الآلهة المصرية، وتعتبر أيضا شاهد التحول من التشدد الذي عرف به المعبد المصري في اختبار من يحق لهم تقلد الوظائف الكهنوتية، ومن يقومون على خدمة المعبد، ويشكلون حلقة الوصل بينه وبين أتباعه. قبول زيدال في المنصب الديني يؤكد اندماج اليمنيين في الثقافة المصرية، وفي سلك الوظائف الدينية، وليس هذا فحسب إنما تحنيط جثمان زيدال وتشييعه، وفق التقاليد المصرية، وجعل روحه في حماية الإله (أوسيرحاب).

وتشير المحاضرة إلى نشوء علاقات اجتماعية تجلت في المصاهرة بين المعينيين والشعوب التي تاجروا معها في جزيرة العرب، ومناطق الشرق القديم، ومنها مصر. وتشير أيضا إلى العديد من الصادرات اليمنية إلى مصر (متطلبات المعابد)، وقد ورد ذكرها في برديات زينون، التي يعود تأريخها إلى "٢٦١ ق. م"، فيرد ذكر المعينيين في إشارة إلى اللبان المعيني.

تتحدث المحاضرة عن بردية من العهد الروماني يعود تأريخها إلى القرن الثاني، أو الثالث الميلادي، سجل فيها قوانين الضرايب الجمركية، وتحديد قيمتها على التوابل والمواد العطرية القادمة من الجزيرة العربية عبر موانئ البحر الأحمر، إشارة إلى الممر المعيني، وتشير إلى وثيقة تعود إلى القرن الثالث الميلادي، تتحدث عن استيراد شجرة غريبة شائكة تصف الوثيقة الشجرة، وتقول المحاضرة إن المقصود بها "السمر"، الذي ينبت في اليمن. 

تختتم العالمة الآثارية والخبيرة اللغوية في الساميات القديمة محاضرتها بالإشارة إلى العثور في اليمن على العديد من الشواهد الأثرية ذات الطابع المصري القديم مثل قطع منقوشة وخواتم وحبات من النقود، وبعض اللقى الأثرية. عثر أحمد فخري على مجموعة منها أثناء رحلته الأثرية، ويرى فخري أن العلاقة التجارية بين مصر واليمن كانت قائمة منذ زمن طويل عبر تجارة البخور، وأن وجود هذه القطع الأثرية دليلا على العلاقات التجارية، التي كانت قائمة، وأن اليمنيين يستخدمون هذه القطع، وتشير إلى أن أقدمها "الجعران"، الذي يحمل اسم "امتحب الثالث". 

- تأثيرات مصرية 

تقول الباحثة "تمثال من البرونز مؤرخ القرن الثاني والثالث ق. م" بوجه آدمي جميل، وجسم أسد رابض عليه نقش بخط المسند باللهجة السبئية، يؤرخ النقش القرن الثالث ميلادي، والرسوم ب٩ - MIbb، الذي تم الكشف عنه في جبل العود بإب عام ١٩٩٨، يتحدث النقش عن قيام شخصين بتقديم هذا التمثال إلى معبودتهم (رحيم)، ويعود تأريخ النقش إلى القرن الثالث ميلادي، وهذا يعكس دلالات دينية مشتركة بين تصورهم عن معبودتهم، وعلاقتها بالفكر الديني المرتبط بأبي الهول، وهناك لوح من البرونز يحمل الرقم "L U B M 4" يحتمل من مأرب مستطيل الشكل بعرض ١١٠ سم، وارتفاع ٦٦ سم، يعود إلى القرن السادس ق . م، عليها أشكال أبو الهول، عدد ١٢ شكلا، برأس إنسان، والصدر والأقدام جسم أسد (باسلامة ٢٠١١- ٥٨ ). 

تخلص المحاضرة إلى القول: "إن العلاقات الحضارية بين اليمن ومصر أثبتتها النقوش والآثار اليمنية القديمة، وحقيقة فإن المعينيين قوم مارسوا التجارة، وكان لهم دور في الحضارة والثقافة والفكر، ومن أجل ذلك جابوا بلاد الجزيرة العربية وخارجها؛ سعياً وراء ترويج بضائعهم مما أتاح لهم فرص الاحتكاك بشعوب العالم القديم وأقوامه، وتنهي محاضرتها العلمية والقيمة بتوجيه توصية إلى الموجودين في مصر من اليمنيين دبلوماسيين وأكاديميين وباحثين ومثقفين وتجار وسواح بزيارة المتحف المصري؛ لأهمية تابوت التاجر المعيني، الذي يعكس عمق العلاقة الممتدة لآلاف السنين".

كما تدعو السفارة اليمنية والمكتب الثقافي إلى التنسيق والتعاون مع المتحف المصري في المجالات العلمية والثقافية المتعلقة بعلوم الآثار والكتابات القديمة، والمتاحف والترميم من خلال إقامة المحاضرات والدورات، وعقد المؤتمرات العلمية، وتبادل الخبرات بين اليمن ومصر.

واختتمت محاضراتها بالقول: "في الأخير، لكم مني، ومن زيدال، خالص الشكر والتقدير على حضوركم واهتمامكم بهذا الحدث، ولحسن الاستماع".

مقالات

آخر قلاع التصوير في اليمن

كان الملك "جلجامش" في الأسطورة الشهيرة يعيش حالة من الرعب، فكلما تقدم به السن تذكر بأن الموت سيدركه، لجأ من أجل تبديد مخاوفه إلى الحكماء؛ الذين بدورهم أشاروا عليه بـ"زهرة الخلود"، أخبروه بأن هذه الزهرة لا أحد يستطيع الوصول إليها سوى رجل الغابة "أنكيدو"

مقالات

أبو الرُّوتي (12)

لم نكن وحدنا، الذين نذهب في الصباح الباكر لجمع قوارير الخَمْر من الساحات ومن أمام المِخمارات والبارات، وإنّما كان هناك آخرون غيرنا يأتون للغرض نفسه، وكانت تحدث بيننا وبينهم خلافات، ومشادّات، ومشاجرات.

مقالات

ما الذي ننتظره كيمنيين؟!

يعيش اليمن واليمنيون -جُلُّ اليمنيين- كارثةً محققة. والمصيبة، ونحن في جحيم الكارثة، ننتظر -بسلبية- فاجعةً تُلوِّح بالمزيد والمزيد! جُلُّ المحافظات الشمالية تحت سيطرة مليشيات أنصار الله (الحوثيين)، وتعز (المدينة) تحت سيطرة مليشيات التجمع اليمني للإصلاح والشرعية، أمَّا ريفها فموزع على أكثر من طرف، ومأرب (المدينة) تحت نفوذ الإصلاح والمؤتمر الشعبي العام، وريفها موزع على كل أطراف الصراع.

مقالات

الكتابة فوق حقول الألغام

الكتابة في اليمن لم تعد نزهة أو فسحة جميلة مع القلم والموهبة والابداع لأي كاتب خلال السنوات الأخيرة ، سواء كانت شعرا أو نثرا ، لقد تقلصت مساحات الحرية وتم شطب الهامش الديمقراطي الزائف الذي كان يتبجح به السابقون .

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.