مقالات

مطالعة في "زوايا من تاريخ ولاية عدن" (2-2)

27/01/2022, 14:45:36
المصدر : خاص

يؤرّخ صاحب "الزوايا" العام 1843م بدخول الخدمات الصحية إلى مستعمرة عدن بافتتاح مستشفى عدن الأهلي في كريتر، لكن قبل ذلك بسنتين (1841م) سجّلت الدوائر الرسمية في قوات الاحتلال وجود أكثر من 1700 حالة مرضية في صفوف القوات البريطانية والهندية المرابطة بعدن، ومن بين تلك الحالات كان هناك 88 حالة مستعصية.

وبعد افتتاح المستشفى الأهلي بثلاثة أعوام (1846م)، اجتاحت عدن موجة كوليرا قاسية بسبب هطول الأمطار الغزيرة على المدينة واختلاطها بالقاذورات، ونتيجة لعدم وجود مجاري تصريف للمياه  تفاقمت الحالة وحصدت 500 شخص منهم (20 بريطانياً). وبعد ثلاثة عشر عاماً من الجائحة الأولى، اجتاحت المدينة موجة أخرى من الكوليرا في العام 1859م، راح ضحيتها -هذه المرّة- 600 شخص.

في الثلاثين سنة أولى من الاحتلال، شهدت المدينة تفشي أمراض لم تكن معهودة، وتنتقل بالعدوى مع القادمين إليها من بلدان أخرى كالهند وأفريقيا، وهي في الغالب أمراض استوائية فتاكة.

بسبب ضيق المستشفى الأهلي واحتوائه على 24 سريراً فقط، وانعدام التهوية فيه بسبب عشوائية المبنى، وكذا صعوبة عزل النساء عن الرجال، تم في العام 1863م استحداث مستشفى أوسع تحت المسمى ذاته، أنشئ وسط المدينة (مقابل سوق البلدية)، يحتوي على خمسين سريراً، وجناح خاص بأمراض النساء ،وآخر بالأمراض النفسية، واستمر هذا المشفى بالتوسّع بتبرعات سخية من وجهاء المدينة وزعماء الطوائف فيها.

وإلى جانبه أنشئت العديد من العيادات والمستوصفات والمشافي المتخصصة بأمراض السُّل والجدري والأمراض المعْدية في كل من التواهي والشيخ عثمان والمعلا، غير أن النقلة الأهم في الخدمات الصحية بالمستعمرة ستكون بافتتاح مستشفى الملكة في خور مكسر في العام 1956م، بعد عامين من وضع حجر الأساس له من قِبل الملكة "إليزا بيث الثانية" -ملكة بريطانيا الحالية- في زيارتها التاريخية لعدن في أبريل 1954م.

تأسس البريد في مستعمرة عدن بعد ستة أشهر من احتلال المدينة وتحديداً في 15 يونيو 1839م، وكان يخضع -وقت إنشائه- لمدير دوائر بريد عموم بومباي، وكان موقعه مقابل سينما البانيان (برافين) في كريتر، وقد ضم المكتب كاتبين وساعيي بريد من الجنسية الهندية. واحتاجت التواهي، وهي موقع الميناء الرئيس، إلى قرابة عشرين عاماً لتأسيس مكتب بريد فيها.

 ففي تلك الفترة، وقبل تأسيس بريد التواهي، كان النظام هو أن يُرسل برج الإشارة القريب من الميناء في التواهي إشارة ضوئية إلى كريتر يخبرهم بوصول السفن المحمَّلة بالبريد إلى الميناء فتُرسل الجمّال مع الكاتب والساعي من كريتر إلى التواهي لاستلام البريد وإعادته إلى البريد المركزي في كريتر، أما البريد الداخلي بين كريتر والتواهي وخور مكسر فقد كان يقوم بتوزيعها ساعي البريد سيراً على الأقدام، الذي يخرج عادة من المكتب الرئيس في الساعة الثالثة عصراً من كل يوم (ص 120)، وكانت الرسائل من وإلى بريطانيا تُجمع من الهند والصين وأستراليا، ليتم نقلها على متن سفن بخارية معروفة، تصل هذه السفن إلى ميناء عدن مرّتين في الأسبوع.

يتتبّع صاحب "الزوايا" تشكيل قوة بوليس عدن ابتداء من العام 1840م، حيث يقول: "كانت البداية الأولى لتشكيل قوة بوليس عدن عندما عيّن الكابتن هنس أحد عشر رجلاً من أبناء مستعمرة عدن (تسعة عرب واثنين من الهنود)، لحفظ الأمن والنظام إلى حين وصول قوة من بوليس بومباي، التي وصلت بعد ذلك بقوام  20 جندياً ليتضاعف هذا العدد مع تقدّم السنوات، وعند إعلان عدن منطقة حرة في العام 1850م تم تشكيل قوة بوليس بحري، جلّ أفراده من الأوروبيين لأن السفن القادمة إلى الميناء كانت تتطلب وجود مثل هذه القوة، ومن الجنسيات الأوروبية.

في العام 1872م، تم تقسيم البوليس إلى منطقتين أمنيتين: الأولى في كريتر، عُيِّن لها مفتش صومالي، والثانية في التواهي عُيّن لها مفتش بريطاني.
 وفي عام 1920، تم تأسيس قوة بوليسية مسلّحة، التحق بها الكثير من سكان عدن والمحميات.
أما تأسيس سجن عدن العسكري ببنائه الحديث في قلب مدينة كريتر، فقد كان في العام 1912م، وقد تولّى في إحدى الفترات رئاسة السجن الفنان المعروف خليل محمد خليل (من 1949 إلى 1958م).

الكتيبة المسلّحة اليمنية الأولى، التي شكّلها أحد الضباط الإنجليز في العام 1915م من أبناء المناطق المحلية لمناوشة القوات التركية المتموضعة في لحج والشيخ عثمان في ذروة الحرب العالمية الأولى.
وفي العام 1918م، تم استيعابها رسمياً ضمن القوات المسلحة النظامية تحت مسمى الكتيبة اليمنية الأولى مشاة"، ص 172.

أما ما عُرف بجيش الليوي (جيش محمية عدن) فقد تشكّل في أبريل 1928م، واُوكلت إليه مهام تأمين المطارات والمرافق الحيوية في المستعمرة، بالإضافة إلى تقديم المساعدة للشرطة المدنية، أما جيش البادية الحضرمي فقد تم تهيئة  تشكيله بعد مائة عام من احتلال عدن، أي في العام 1939م، بواسطة ضباط أردنيين، وتم إنشاؤه في العام 1940م على غرار الفيلق العربي في الأردن، وكان الهدف من إنشائه هو حماية مناطق محمية عدن الشرقية التي كان مركزها حضرموت. وبعد إنشاء اتحاد إمارات الجنوب العربي في العام 1959م، تم إطلاق مسمى "الحرس الاتحادي الوطني" على التشكيلات العسكرية في المستعمرة، وأوكلت إليه مهمّة حماية الأطراف الحدودية مع المملكة المتوكلية، بالإضافة إلى حماية إمدادات خطوط المياه والدوريات المتنقّلة ما بين الشيخ عثمان وخور مكسر. أما جيش الاتحاد النظامي، فقد تأسس في 30 نوفمبر 1961، وتكوّنت قواته من 4500 فرد، بالإضافة إلى 400 عسكري بريطاني.

يوثّق الكتاب أهم الزيارات التاريخية التي قام بها ملوك وأمراء إلى مدينة عدن، وابتدأت مع الملك جورج الخامس في 27 نوفمبر 1911، تم زيارة ولده إدوارد الثامن أمير وليز، الذي سُمي رصيف السواح بميناء عدن باسمه، بعد عشر سنوات كاملة من زيارة والده (12 نوفمبر 1921)، ثم زيارة الزعيم الهندي المهاتما غاندي في 3 سبتمبر1931، وهو في طريقه إلى لندن لحضور الجولة الثانية من مباحثات مؤتمر الطاولة المستديرة بشأن استقلال الهند عن بريطانيا.

الملك الإيطالي إيمانويل الثالث زار مدينة عدن في 10 أكتوبر 1934م، وهو في طريقه إلى الصومال الإيطالية عقب الاشتباكات الحدودية بين الصومال وأثيوبيا.

الزيارة الأشهر في تاريخ المدينة، تلك التي قامت بها الملكة الشابة إليزابيث الثانية في 27 أبريل 1954م، وصارت هذه الزيارة جزءاً حيوياً من سردية المدينة، ومع هذه الزيارة "أقيمت موائد الطعام المجانية في كل أنحاء المستعمرة، وصرفت الرواتب والعلاوات لكل الناس، ووزعت الحلوى في شوارع عدن، ولم ترتحْ المدينة في ذلك اليوم حتى ساعات الفجر الأولى"، ص 250.

الرئيس اليوغسلافي (المارشال جوزيف برس تيتو) زار المدينة في 29 يناير 1955م، وهو في طريق عودته من الهند وبورما، قبل أشهر من عقد مؤتمر باندونج لدول عدم الانحياز، الذي كان واحدا من أبرز مؤسسيه إلى جانب الرئيس جمال عبد الناصر.

"تاريخ الإمبراطوريات التجارية" هو عنوان لفصل يتابع الحياة التجارية والاقتصادية، التي ابتدأت مع وصول الكابتن لوك توماس إلى عدن في العام 1842م، وأصبح وكيلاً لشركة ملاحية معروفة، قبل أن يقوم بعد خمسة أعوام بتأسيس مصرف صغير لتحويل الودائع المالية للجنود البريطانيين. وفي عام 1856م، أنشأ، بالتشارك مع رجل الأعمال الفارسي (كوسجي دنشو)، أول بنك تجاري تحت مسمّى "بنك عدن". وبعد افتتاح قناة السويس وبدء النشاط الملاحي المكثف للسفن في ميناء عدن، قام بافتتاح محطة لتزويد السفن بالفحم. وبعد دخول الكيبل البحري إلى عدن في عام 1872م، قام بإنشاء نظام تلغراف عبر خطين مستقطبين من الكيبل، لتسهيل عملية الاتصالات بين التواهي وكريتر.

"أنتوني بس" أحد أشهر رجال الأعمال الفرنسيين في عدن، حيث جاءها في العام 1899م للعمل ككاتب مبتدئ في "شركة باردي وشركاه" لتجارة البُن، وبعد انتهاء عقده مع شرطة باردي في العام 1902م قام بتأسيس شركته الخاصة في الحديدة بعد اقتراضه أموالا من صهره، ولاحقاً من بنك فرنسي لتوسيع نشاطه في مستعمرة عدن، ولم يصل إلى منتصف القرن إلاَّ وهو على رأس إمبراطورية تجارية في عدن وخارجها، تعمل في كثير من القطاعات الحيوية.

في الكتاب الكثير من التفاصيل الأخرى عن  إنشاء "مملاح عدن" من قِبل شركة إيطالية في العام 1886م في المنطقة الواقعة بين الشيخ عثمان وخور مكسر، ولم تزل بعض بقايا مراوحه الضخمة قائمة حتى الآن بمجاورة الخط الرئيس، ودخول السيارات إلى عدن ابتداء من العام 1907م، وإنشاء السكة الحديد وقطار عدن في العام 1916م، الذي كان يربط عدن بلحج. وخطوط عدن الجوية، التي قام بتأسيسها رجل الأعمال الفرنسي أنتوني بس في العام 1936م.

الكتاب يطرق -بالكثير من التفصيل- موضوع مساجد عدن وكنائسها ومعابدها، وتاريخ برج وساعة هوج (ليتل بن)، المطل على ميناء التواهي، الذي يعود تأريخ بنائه إلى العام 1895م، وتأريخ دخول لعبة كرة القدم إلى المستعمرة في العام 1900م، ومراحل التداول النقدي في ولاية عدن، وبداية البث التلفزيوني في 11 سبتمبر 1964م، والبدايات الأولى لصناعة السجائر في العام 1886م، وتفاصيل عن يهود عدن والجالية الفارسية في المدينة، وتأسيس متحف عدن في العام 1930م، وإحصاءات مختلفة للآبار التاريخية، والصحف والنشرات والمطابع والمكتبات والنوادي الرياضية والفنادق ودُور السينما في عدن، وأسماء الأسر العدنية - بحسب سجلات المجلس التشريعي لحكومة عدن في العام 1958م.

الكتاب بطبعته الثانية للعام 2013م (مطبعة جرافيك/ عدن) وثيقة تاريخية مهمّة تقدّم للباحثين عن تاريخ مستعمرة عدن كمية هائلة من المعلومات والصور النادرة.

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.