مقالات
نائف الوافي.. بطل في المدينة
هذه أيام البطولات. وأنا أُفتِّش عن بطلٍ محلي، نحن أيضاً لدينا قضيتنا، ونحتاج أبطالا بلا عدد. هل هناك من بطل..؟ نعم. أتابع هذا الرجل، وآراه جديراً باللقب. هذا بطل تعز في الأيام الأخيرة. الجميع منشغل بالقضايا البعيدة، الكثير مشتت ولا يدري ما يفعل. فيما يتعمم نائف الوافي بالشال والمشاقر، ويستيقظ في الغبش؛ كي يُفتِّش لمدينته عن نور.
أحبّ التأمل فلسفيّاً في كل نشاطات البشر. أبحث عن المعنى الخالد وأحاول إيجاده في كل شيء. في الملاحم الكبرى للمحاربين في أرض الزيتون، وفي الحركة المُركّزة والتصميم المتواصل لهذا الرجل الرشيق. نائف الوافي، وهو يُقدِّم خطبة الجمعة من داخل محطة "عصيفرة للكهرباء" المهجورة. مؤمن بقدرته على فعل شيء ما لأبناء مدينته.
"اشتلصي، اشتلصي" بهذه المفردة الشعبية، يذيِّل نائف منشوراته في مواقع التواصل. بم توحي هذه الكلمة الدارِجة..؟ بالأمل.
ماذا يُحب الناس في البطل..؟ قدرته على منحهم ذلك الأمل الواسع والموثوق، أن يوقد في أرواحهم شعلة تدفعهم لمواصلة المسير. يفعل ذلك في لحظة يعيش فيها الناس داخل جو متواصل من الإحباطات وانطفاء أي دافع لديهم بانتظار شيء ما. قدرة أي رجل على أن يمنح الناس وعداً ويبذل جهده الكامل لتحقيقه؛ هو ما يجعله جديراً بالإنتماء إليه. يُطبِق الظلام في المدينة ويولد البطل؛ كي يفتح ثقب ما ويُزحزح الليل قليلاً. لا تنحصر البطولة في مشاريع كبرى، هناك بطولات مكتملة لا تقل حساسية عن أعظم الإنجازات. وهذا الرجل الذي يبدل جهده لإنارة مدينة تعز يستحق أن توجّه إليه إشارة الإعجاب.
لم أتابع كل فيديوهاته؛ لكني صادفت مقطعًا صغيراً أوحى لي بحكمته وذكائه. قال: سأطرق أبواب الجميع، الصالحين والطالحين، الأبرار والأشرار والعابدين والكُفّار، إن وجدوا، حتى أعيد الكهرباء الحكومية للناس. هذا حديث يفصح عن عقل يجيد التدبير. ما من ملائكة في المدينة. كل من يعمل في الشأن العام عرضة لشبهات، تلك طبيعة الحياة. وليس أمامنا سوى العمل، مع المتصوفة ورفقاء إبليس. نحتاجكم جميعًا؛ كي نهزم الظلام ونخفف عبء الحصول على ضوء للناس. عقلية كهذه، لا يمكنها سوى أن تنجح وتخلق نموذجا يصلح للسير في دربه.
الواقع مليء بالإحباطات، الخلل منتشر في كل مكان، الشرور وجدت وسوف ترافق مسيرة البشر دائماً. ليس عليك أن ترهق نفسك في التفكير بالصورة العامة المرتبكة. لا تحتاج أن تنتظر أملاً يهبط من السماء. فقط عليك أن تتبع نهج هذا الرجل.
"العمى ينتشر في كل مكان، ومواجهته تقتضي نشاطات مُركّزة، محبة مخصوصة، لأصدقاء وأهل محددين؛ وأعمالاً صغيرة، مباشرة -تمامًا كما فعل نائف- هو لن يحلّ كل مشاكل المدينة، لن يُغيِّر مسار الحرب، ولكنه -على الرغم من كل شيء- قد يساعد في إضاءة القليل من النور في قلوب الناس".
"يبدو لي أن رواية العمى لخوسيه ساراموغو تقول شيئاً مماثلاً. لم أفهم الرواية تماماً، ولكنني أعتقد أن أحد مداخلها يكمن في عمل شيء ما محدد، كافي ليوقظ البصيرة "، على سبيل المثال: المحبة. محبة مخصصة لشخص محدد، لكائن بشري من لحم ودم، وليست محبة مجردة عامة. زوجة البطل وحدها لم تصب بالعمى، لقد كانت تساعد زوجها في المحنة الطويلة جداً: تحميه وترعاه. هو وحده، من بين كل الناس. توجّهت بكامل عواطفها نحوه. بمثل هذه المحبة، لا تفقد بصرها، وبصيرتها". عمل صغير هنا وهناك. تقويّة منطقة ضعيفة في المجتمع، حل مشكلة الكهرباء، عمل ذكي، يشفي كربة من كربات الناس. يبدو لي أن الكثير كان قد اعتاد على العمى، تقبلوا التطبيع مع الظلام. لربما نائف وحده ظلّ مبصرا. هذا مثال لطيف لما يمكنك فعله وسط عالم كله ظلام. نموذج لنشاط مدفوع بذهن لم يفقد انتباهه تماماً، وتمكّن من مدافعة الخراب وفقاً للمدى المتاح له.
الخلاصة: هكذا يصنع الأفراد الأذكياء بطولاتهم في محيطهم، بين أهلهم وناسهم. هناك دائماً جبهات صغيرة وحساسة يمكنكم العمل عليها. وسط هذا العالم الصاخب والفوضى المشتعلة في كل مكان. يمكنك إعادة النظر فيما حولك وترميم ما هو في متناولك. أنت غير مسؤول عن إعادة بناء العالم كما يتعذر عليك ذلك. في حارتك مهمة معطلة، نجاحك في تحريكها هو فعل بطولي أيضاً. وهذا ما صنعه نائف الوافي. جدير بالحب، والتكريم. امنحوه وساما ما يا آبناء تعز.