مقالات

نحو سلام شامل ومستدام

19/09/2023, 09:25:00

تشكِّل ثنائية الحرب والسلام في اليمن ملمحا بارزا في مسار التاريخ الحديث والمعاصر، وتمتد جذورها إلى القديم والوسيط، وترتبط بها حالتا الازدهار والانهيار في الحضارة اليمنية. جدل الحرب والسلام، وتصارعهما، يطبع حاضرنا الراهن.

فمنذ حرب 1994، تسيَّدت الحرب المشهد، ولم تعد الحرب باليمن إلى ما قبل 22 مايو 1990 فحسب؛ بل شطرت الشطرين، وزرعت حروبا بين كل شطر على حدة، وخلّفت تشظياً وانقسامات عادت باليمن إلى ما قبل عصر الوطنية والدولة، ورغم طغيان الحرب وضراوتها وامتدادها إلى مختلف مناطق اليمن، إلا أن صوت السلام لم يخفت.

 ما إن تفجَّرت الحرب الأهلية حتى رمى الصراع الإقليمي الإيراني- السعودي والدولي بثقله في الحرب لأسابيع أو أشهر؛ حتى أصبح الصراع الإقليمي والدولي هو الأقوى والأكثر فاعلية وتأثيرا.

عُقِدَ أكثر من اجتماع في بلدان عديدة لإيقاف الحرب، ولكن إغراءات وأوهام الحسم العسكري كانت الأقوى لدى كل الأطراف، وتعرَّض دعاة السلام والناشطون السياسيون وقادة المجتمع المدني للاتهامات والاعتقالات والإساءات والتهديد، ويبدو أن تدمير الكيان اليمني، وتمزيق المجتمع كان هدفا مشتركا لدى كل أطراف الحرب، وبالأخص الإقليمي والدولي الأكثر إدراكا لمآلات الحرب، ونتائجها الكارثية.

الحرص على إطالة أمد الحرب هو الوسيلة المثلى لتدمير الكيان اليمني، وتمزيق نسيجه المجتمعي، وتحويله إلى كنتونات متعددة متعادية ومتصارعة. كان الطرف الإقليمي والدولي هو الأكثر إدراكا وفهما لطبيعة الحرب، والأقدر على إدارتها، وتسخيرها لإرادته، وتحول قادة مليشيات الحرب الأهلية، وأطرافها الكاثرة إلى أدوات مسخرة للاعب الإقليمي والدولي في حرب مأجورة.

التهدئة، في الـ2 من أبريل 2022، تعبِّر عن تراجع وهم الحسم العسكري، وهي ثمرة التقارب الإيراني- السعودي (الطرفان الأساسيان في الصراع الإقليمي)، وانشغال الطرف الدولي بالحرب في أوكرانيا. التهدئة الأطول منذ بدء الحرب أحيت الأمل في النفوس، وفتحت نافذة للأمل في وقف الحرب، وإحلال السلام، والتوصل إلى حل سياسي؛ فعندما تسكت المدافع يرتفع صوت السلام، ويعلو المنطق والرأي، وتطرح مطالب الحياة الحقيقية.

إضراب المعلمين في عموم اليمن، وهم أكثر من نصف الموظفين، واحتجاجات أساتذة الجامعات، والوقفات الاحتجاجية في غير مكان، وخطاب الأمين العام للمؤتمر الشعبي العام: صادق أمين أبو راس، وخطاب بعض أئمة المساجد، وأصوات الناس في الشارع، وخطاب وسائل التواصل الاجتماعي- دلائلها مهمة.

الاتفاق الإيراني - السعودي بوساطة صينية أثره كبير، وهناك ضغوط دولية على الإقليم، وضغوط أشد على أطراف الصراع الأهلي، وبالأخص على أنصار الله (الحوثيين)، ومن ثم تصاعد رفض الحرب في طول اليمن وعرضها، وتعاظم تبعاتها؛ ذلكم ما يفرض على الجميع إرهاف السمع لنداء السلام - نداء الضمير والعقل.

منذ بدء التهدئة، بدأت اللقاءات بين العربية السعودية وأنصار الله بواسطة عُمان، وحققت بعض النتائج في تبادل محدود للأسرى، وإطلاق بعض المعتقلين، وفتح محدود لمطار صنعاء، واستقبال ميناء الحديدة للبواخر، ولكن حالة اللا حرب واللا سلم ظلت هي القائمة، وبقي التهديد بعودة الحرب بوجود الاختراقات، والحصار الداخلي والخارجي وكل تبعات ومآسي الحرب حاضرا، ويشكل تهديدا للسلام.

التفاوض الصامت والمكتوم بين السعودية وأنصار الله لا يتوخى وقف الحرب أو الوصول إلى هدنة دائمة فقط، وإنما يجري التداول من حول ما بعد الحرب، والترتيبات القادمة. ويقينا، فإن وقف الحرب الدائم مطلب شعبي ملح ومرحب به عربيًا ودوليا؛ فالأمم المتحدة ترى أن الحرب اليمنية أسوأ كارثة على وجه الأرض، كما أن برم الشعب اليمني بالحرب آخذٌ بالاشتداد، ويمثل تهديدا جديا لكل الأطراف؛ إذا ما اتخذ صفة الاحتجاج الشامل.  

محنة اليمن أو نكبتها أنها بلد فقير موارده شحيحة، وبنيته هشة ومتداعية، وحكامه لصوص وعديمو ضمائر، تتوزعه مليشيات كثيرة لا يقتاتون إلا من الحرب؛ فالحرب بالنسبة لهم عمل وحرفة، وهي مصدر ثراء وتباهٍ ورجولة، وهو المنكوب بحروب حكامه وتصارعهم على النفوذ والنهب، ويستنجدون بالأجنبي للانتصار على بعضهم.

حرب 1994 لم تكن مجرد انقلاب على الوحدة السلمية والاختيارية بين الشمال والجنوب، وإنما أعادت اليمن إلى مآسي الحروب المتسلسلة والمتناسلة، وكانت ثورة الربيع في اليمن هي الخلاص من الحرب، والحكم بالغلبة والقوة، ولكن الحرب جرفت الربيع، وجسد انقلاب 21 سبتمبر 2014 عودة غير حميدة لحكم القوة، وتسعير الحروب.

التهدئة الأخيرة مهمة؛ لأنها تمهد للاتفاق على وفق دائم للحرب، وللمفاوضات السياسية، كما أن بيان نداء السلام عن لقاء الرياض بين السعودية وأنصار الله (الحوثيين) متفائل بحذر، ويدعو إلى وقف دائم للحرب؛ ما يمهد السبيل لحوار يمني- يمني.

يبارك البيان الخطة مرحبا وآملاً أن يؤدي اللقاء إلى تطبيع مختلف جوانب الحياة، والتهيئة للشروع في حوار سياسي وطني شامل بين مختلف القوى السياسية الفاعلة دون استثناء للتوافق على بناء دولتهم الواحدة.
منذ أيام تجري المفاوضات بين السعودية وأنصار الله (الحوثيين)، في ظل غياب الشرعية أو الانتقالي، وتتسرب أخبار تبعث على التفاؤل في الوصول إلى حلول سياسية، والأمل يملأ النفوس في انتصار إرادة السلام، وتحقيق اليمن سلامها واستقرارها ووحدتها.

مقالات

كيف عزز النصر السوري حضور تركيا

في السنوات الأخيرة، عززت تركيا حضورها كقوة إقليمية تسعى إلى لعب دور محوري في إعادة تشكيل التوازنات السياسية في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا وآسيا الوسطى.

مقالات

هل أصبح الحوثيون حقاً في دائرة الاستهداف؟

أكثر من مجرد الرّعب والفزع اللذين أحدثتهما الغارات الأمريكية على صنعاء، مساء السبت الماضي، فلا شيء يُذكر يمكن أن يؤثر على قدرة "جماعة الحوثيين"، وعلى استمرارها في استهداف إسرائيل، حتى ولو لمجرد المشاغبة عبر إطلاق مسيِّرةٍ هنا أو إسقاط صاروخ هناك على أرضٍ "فارغةٍ"، وكلُّها وسائل لا تقدِّم أو تؤخر شيئاً.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.