مقالات

نخب اليمن المتوحشة ومساهمتها في تفكك الدولة!! (2-2)

08/10/2022, 09:00:49

بعد تعريف المؤلف للنّخب، يبدأ بتوصيفها، وتبيان طرائق عملها والمرجعيات الفاسدة التي تحكمها، وعلى رأسها أن:
النُّخب السياسية في الفضاء العمومي {التي غدت اليوم} جامدة ومتهالكة ومريضة، تتنفس برئة خارجية لا تتغيّر ولا تتبدل إلا بالثورات والانتفاضات، ولا تكثرت بالضغوط المدنية ولا بالمظاهرات والاحتجاجات والإضرابات، ولا بالسخط الشعبي، ولا تسمع إلى أنين الشارع.

هذه النُّخب جاءت إلى السلطة إما عبر التوريث أو عبر العنف والانقلابات العسكرية، وقلة منها جاءت عبر الانتخابات الشكلية.

النُّخب الحالية تشكّل طاقة خطر على المجتمع، لأنها وصلت إلى سدة الحكم بسهولة متهالكة على السلطة والمال، ومستعدة للبيع والشراء بأثمان بخسة من أجل البقاء في السلطة، ولذلك فهي غير مكثرته بالمجتمع ولا تملك مشاريع تنموية، سوى مشاريع النّهب وتبديد الثروات وتعميم الفساد، وتدمير الكتل الاجتماعية، وتفكيك صواميل العلاقات الاجتماعية من أجل الانقضاض على المجتمع، وقتل الأنباض الحيّة فيه، فهي مستسلمة كليةً للقوى الإقليمية والدولية، وتستمد شرعيتها منها. إنهم يعيشون في دوّامة من التناقضات الوجدانية والمسلكية:


يريدون الديمقراطية وهم غير ديمقراطيين، ينادون بالحوار والتسامح وهم غير متسامحين، ينتقدون الفساد وهم غارقون في الفساد المادي والمعنوي، يطالبون بالعدالة والمساواة وهم أنداد للمساواة والعدالة والإنصاف، يطالبون بالتعدد والانفتاح والديمقراطية وهم شموليون إلى أبعد مدى، يشكون من الظلم ويمارسون ظلماً أقسى مما يشكون منه. إنهم مع الحرية، ولكنهم من زاوية عملية قاتلون لكل صوت حر يجاهر بالحق، يريدون دولة العدالة والمؤسسات وهم يحطّمون مداميك دولة الحق والقانون بطريقة ماكرة ومراوغة.


(*)
لماذا اختار المؤلّف مدينة كعدن نموذجا للفحص والقراءة؟ أما الإجابة ستكون على النحو  التالي:
عدن هي المجتمع المحلي، الذي تستقيم عليه الدراسة، وكان انتخابنا لمدينة عدن  -التي يبلغ عدد سكانها 865 ألف نسمة ومساحتها 750 كم مربع - ليس من فراغ، لأنها ذات ماض عريق متعددة الدلالات المادية والروحية، وزاخرة بروح الوطن، وفي ضميرها وعمقها وتحت جلدها يعيش الوطن الجريح، وتحتوي على تشكيلة اجتماعية تغطّي كامل الجغرافيا اليمنية، وإن ما يحدث فيها يحدث في كامل التراب الوطني مع اختلاف المستويات ما بين هنا وهناك، وما بين مدينة وأخرى، وما بين محافظة وأخرى.

لقد عشنا سوسيولوجيا الحياة اليومية لحظة بلحظة، عايشنا الحرب والأحداث والوقائع من مهدها وحتى برهتنا الراهنة، ولاحظنا تطوّر الأحداث والأزمات والصدمات والتغيّرات السوسيولوجية والانهيارات الاقتصادية والاجتماعية والثقافية والأخلاقية، ورأينا بأم أعيننا الخراب والدّمار واشتعال الحرائق والكراهية العمياء بين أبناء الوطن الواحد، والشقشقات المناطقية والعنصرية، وتهييج الغرائز وانكسار الروح الوطنية والانحلال المعياري، وإدمان الدسائس والارتزاق.
(*)

أكثر ما يشغل بال المؤلف من هذا الوضع هو تفكك الدولة (الضامنة لحقوق مواطنيها بدون تمييز)، ولهذا  يتتبع وبشكل تفصيلي علامات (علائم) ومؤشرات تفكك مؤسساتها، فقادت إلى هذا الخراب. ومن علائم ومؤشرات التفكك:
- تعطيل الدستور والأنظمة والقوانين وإحلال الفوضى والعشوائية والعادات والأعراف القبلية والاجتماعية محل الدستور والأنظمة والقوانين
- تحطيم مؤسسات الجيش والأمن والمؤسسات المدنية وإحلال مليشيات وقبائل وجماعات عصبوية واجتماعية مسلحة محل الجيش والأمن مع تحطيم للبُنى والمؤسسات المدنية.
- تسريح أعداد غفيرة من أفراد الجيش والأمن ورميهم في الشارع، طال هذا التسريح موظفين في السلك المدني: حيث تم إحالة 70 ألف عسكري وموظف جنوبي إلى التقاعد القسري خارج نطاق النظام والقانون.
- جعل التقاسم والمحاصصة أساساً في التعيينات في السلك المدني والعسكري والدبلوماسي بمنأى عن النظام والقانون والمؤهلات العلمية والعملية والخبرة والكفاءة.
-  تكريس التشظي والتشققات والتبرعمات وإفساد الهياكل والبُنى والمؤسسات والأفراد بالراشوات والهبات والعطاءات والوظائف بطرق غير قانونية.
- التحرك بأقدام فاسدة ومحاولة إفساد من لم يُفسد.
- تعدد التشكيلات والبناءات والهياكل ومراكز القرار وتداخل المسؤوليات وتكرارها، مما أضعف كثيراً هيبة الدولة، وأدى إلى مزيد من الفوضى والانفلات وعدم اِستقلالية القرار الوطني.
- تفاقم ظهرة الوظائف الوهمية في السلك العسكري والمدني، وتعدد جهات الصرف للموظفين المدنيين والعسكريين، حيث إن الانفاق على القوات المسلحة والأمن يشكّل 60% من ميزانية الدولة، وحسب التقديرات الحكومية يوجد 64 ألف أسم وهمي في سجلات القوات المسلحة يستلمون رواتب شهرية بانتظام، فضلاً عن قيام جهات بصرف مرتبات لتشكيلات  سلحة غير نظامية، حيث تصرف إحدى الدول على 90 ألف مسلح.
- عجز الحكومة عن صرف رواتب الموظفين، الذين يصل عددهم إلى 25 ألفا ومليون موظف يعيلون 9 و 6 ملايين نسمة، وتعيش الحكومة ضائقة مالية كبيرة لم تتمكن من تحسين رواتب الموظفين، وإحقاق حقوقهم تحت حجة شحة الموارد في حين أن الحكومة تصرف "ثمانية ملايين وستين ألف دولار" رواتب الموظفن خارج الوطن، والبعض منهم ليسوا ضمن قوام الجهاز الحكومي ،وهناك تعيينات عشوائية في السفارات حيث يوجد:
105 ملاحق في السفارات اليمنية حول العالم، وفي دول ليست لدينا معاها أي علاقات صحية أو فنية أو اقتصادية، وكل ملحق يستلم مرتبا شهريا لا يقل عن 6 آلاف دولار أمريكي، أي 700 ألف دولار أمريكي سنوياً.
والمضحك في ظل الضائقة المالية للبلد، أن عدد التعيينات يزداد لشراء الذمم وشراء الولاءات، فيوجد لدينا:
7 3 وزيراً، 37 نائب وزير، 370 وكيل وزارة، 220 وكيل محافظة، و10 مستشارين لرئيس الوزراء، 300 وزير مفوض ومستشار، 30 موظف في مكتب رئاسة الجمهورية بدرجة وزير ونائب وزير ووكيل، و30 موظفاً في مكتب رئيس الوزراء بدرجة وزير ونائب وزير ووكيل وزارة.

- تواجد الرئاسة والحكومة والبرلمان والسلطة القضائية وكبار الموظفين المدنيين والعسكريين خارج التراب الوطني، حيث تدار أحوال الحكومة والمواطنين من الخارج، وجعلوا الناس يلعقون المرارات، وتدمّرهم الأزمات، ويعانون من المآسي وجحيم الحياة بدون حكومة ولا سلطات، والقوى المهيمنة تمنح رُتبا ومسؤوليات لبعض الأفراد والشخصيات لإسكاتهم لا لكي يمارسوا وظائف على الأرض، وإنما لكي يرتزقوا من هذه الوظائف، وينصرفوا خارج نطاق وظائفهم للالتحاق بركب الفساد، ومراكمة الأموال، والتفنن في سرقة الدولة والمواطنين.

-أصبحت السلطات التنفيذية والبرلمانية والقضائية صورية وأضحوكة في أعين الناس، حيث لا يعرفون من أفراد هذه السلطات سوى الصور في الفضائيات والخطابات والبيانات المنمّقة واللقاءات المعسولة في وسائل الإعلام ووسائل الاتصال الجماهيري.
-إحلال المؤسسة القبلية والدّينية، والعصبيات الضيّقة محل مؤسسات الدولة، حتى أصبحت هذه المؤسسات هي التي تدير الأمور، وتحل القضايا بالعادات والأعراف القبلية خارج سلطة الحق والقانون.
-تشجيع الجماعات المسلحة والمليشيات على التطاول على ما تبقى من المؤسسات، حيث يقومون بالاعتداء على القُضاة والوزراء وكبار موظفي الدولة، وإهانة السلطات والتمرّد على الهيئات وسلطان القانون لتذويب الهياكل والمؤسسات والدوس على الأنظمة والقوانين.

- تخلي المؤسسات عن وظائفها وعلى أهم وظيفة هي وظيفة الضبط، واستعمال القوة لإحقاق الحق، فالمراجع المسؤولة ليست مسؤولة عن استتباب الأمن والاستقرار، ليست مسؤولة عن ضبط الأسعار، ليست مسؤولة عن كبح جماح المنحرفين وشاذِّي الآفاق، ليست مسؤولة عن التعليم والثقافة والصحة والصرف الصحي، ليست مسؤولة عن تنظيم حياة الناس ولا عن الأمن المعيشي والوجودي... فمهمتها تكمن في جمع الأموال والتفنن في اللصوصية والاغتشاش، وتأجيج الفتن والاحترابات بين المواطنين.

- تدأب المراجع المسؤولة إلى تحطيم شكيمة التوازن الاجتماعي وإشعال الفتن، وكسر رقبة المؤسسات والنظام والقانون، وتوطّن المواطن على العيش خارج أسوار الانتظام العام، وجعل حياته عبثية فوضوية خالية من نكهة الأمان، والدفع به بقوة صوب البلطجة والفساد والغش والرياء والكذب، وأخذ حقه بيده، وعدم الركون إلى المؤسسات الضبطية أو المؤسسات الحكومية.

- تخوض ما تسمّى بالمؤسسات حرباً ضد المواطنين، وتحوّلت من أداة لتحقيق السكينة والأمان إلى أداة لزعزعة حياة المجتمع، حيث تقوم بمصادرة حقوق المواطنين وممتلكاتهم وزرع الفتن.
- بزوغ شرائح اجتماعية جديدة في السلطة وخارجها، همها مواصلة الحرب وانتهاب الأموال وممارسة الجور ولهف ميزانية الدولة والمساعدات، وتعقيد حياة المواطنين والضغط على حلوقهم في أتون حرب الخدمات ومسلسلات إنهاك المواطن بشتى السُبل والوسائل المتاحة.

- النّخب المتنفذة القاطنة في غميس الفساد تدير الوطن بلا وطنية، ولا سيادة، ولا ضمير إنساني.
- المرافق العسكرية والمدنية صارت إقطاعية لبعض المتنفّذين، حيث يتم شخصنتها، وامتصاص مواردها لصالح النّخب
المتوحشة والزُمر القوية والأقرباء والأصدقاء والشلل والعصبيات، حيث يتم فتح النوافذ لبعض الأفراد والزُمر والجماعات، وتقفل في وجوه العامة.

- تعطيل جهاز السلك القضائي، حيث تم تعيين نائب عام للسلطة القضائية من خارج السلطة القضائية على خلاف النظام والقانون، فضلاً عن إغلاق المحاكم وبيوت العدل في وجوه المواطنين، مما أفضى إلى مزيد من التناحرات الاجتماعية، وتراكم المشاكل اليومية التي تعصف بحياة المواطنين.

- النُّخب المتنفذة تمارس حرية مطلقة في الفوضى والنهب والاعتساف والفساد المادي والمعنوي، وتشجّع الآخرين في المجتمع على ممارسة حرية بلا سقف وبلا حدود، لكي يتسنّى لها إرباك المشهد العمومي، وتنفيد أجندتها في تدمير المجتمع، وتسميم العلاقات الاجتماعية، وامتصاص الثروات، وإفساد من لم يفسد.

(*)
لضيق المساحة سنكتفي بعرض هاتين الجزئيتين من كتاب أستاذ علم الاجتماع بجامعة عدن، سمير عبد الرحمن الشميري (مجتمع كسيح ونخب متوحشة)، لإرشاد القارئ المهتم بقضايا التحولات الاجتماعية في المجتمع المدني عموماً، وعدن على وجه الخصوص، إلى واحدة من الإسهامات البحثية المهمّة التي قاربت الحالة اليمنية في سنوات الحرب.
_________________________
-  مجتمع كسيح ونخب متوحشة، المؤلف: أ. د. سمير عبد الرحمن هائل الشميري،  دار النخبة القاهرة، طبعة أولى 2022 – ينظر الصفحات من 44- 67

مقالات

لا ضوء في آخر النفق!

عندما بدأت الحرب على اليمن في 26 مارس، بدون أي مقدّمات أو إرهاصات أو مؤشرات تدل على حرب وشيكة، حيث تزامنت هذه الحرب مع هروب عبد ربه منصور إلى سلطنة عُمان، وكان قرار الحرب سعودياً، ثم إماراتياً خالصاً، تحت مسمى "إعادة الشرعية"، التي في الأصل قامت السعودية بفتح كل الطرق لدخول الحوثيين إلى صنعاء وطرد الشرعية منها، وأن هذه الحرب لم تكن مرتجلة بل مخطط لها لإعادة اليمن إلى ما نحن عليه اليوم، من شتات وتمزّق.

مقالات

هنا بدأت رحلتي

أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.

مقالات

حديث لن يتوقف!

يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.

مقالات

أمير الشعر الحميني عبر كل العصور

"لا توجد كلمات غنائية أصيلة بدون ذرة من الجنون الداخلي". يطِلُ عبدالهادي السودي من بين هذه الكلمات، لكأنها كتبت فيه، وعن سيرته، وتفردهُ شاعراً، وعاشقاً، وصوفياً، وعلامة فارقة لِعصرهِ، وشاغلاً للأجيال من بعده.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.