مقالات

وداعا ميفع

04/04/2021, 08:32:35
المصدر : خاص

صُعقتُ، يوم أمس، بنبأ رحيل صديق حميم كان من القلة القليلة التي جمعتني بها وشائج صداقة حقَّة، منذ مطلع ثمانينيات القرن الماضي.

في ناصفة أول شهور هذي السنة داهمت جلطةٌ دماغَ محمد عبدالرحمن أحمد (ميفع عبدالرحمن)، وهو أحد رموز المشهد الأدبي والثقافي اليمني منذ أواسط السبعينيات من القرن المنصرم.

ويومذاك، أنبرت أصوات صادقة وجِلة لمطالبة ما تسمّى بالحكومة بالسعي لإنقاذ حياة هذا الرمز. ولكن - وكالعادة طبعاً - لا تسعى الحكومات اليمنية لمحاولة إنقاذ حياة أحد من الناس إلاَّ إذا كان يندرج ضمن أحد نوعين لا ثالث لهما: النسوان (أيّاهُن) ... وأشباه الرجال (المخلصين)!

أدركتُ حينها أن ميفع في خطر داهم. وأخبرته يومها بضرورة أن يسعى لإنقاذ نفسه، بعيداً عن أي مناشدة لا طائل منها سوى مضاعفة المهانة والإساءة للمكانة.. فلا لذة لدى الحُكّام في هذي البلاد تساوي لذة رؤيتهم المثقفين يستجدون عند عتباتهم.

كان ميفع - طوال حياته - ساخن الدّم والصوت والحضور في المعترك الوطني، سياسياً وثقافياً واجتماعياً. فقد كان لا يعرف مطلقاً أي منطقة وسطى أو رمادية في المواقف من القضايا الكبرى والمصيرية، بما فيها تلك التي لا يراها الآخرون بهذا الحجم وتلك القيمة، كما يراها هو. ولذا كان هؤلاء يجدونه مبالغاً في اتخاذ هذا الموقف أو ذاك من هذه القضية أو تلك. وقد كنتُ أحياناً أنضمُّ إلى هؤلاء في بعض أحكامهم، حتى إنني أروح أناديه مُناكِفاً بـ "مدفع" عبدالرحمن، فإذا به يضحك ساخراً: "حتى أنت يا بروتوس؟" .

كان أخونا الأكبر وصديقنا الأصدق الأستاذ عمر الجاوي - طيّب الله ثراه - أكثرنا إشفاقاً على ميفع مما يعانيه في صراعه الدائم مع أولئك "الوسطانيين" و "الرماديين" في القضايا التي لا تقبل القسمة على اثنين، ولا الجمع بين الأختين ولا اللعب على الحبلين. وكان يُردّد أمامه ناصحاً دائماً: "صنعاء ما ابتنتش بيوم يا صاحبي. والجماعة شوفهم ما يعرفوش يبنوا إلاَّ على ورق والاَّ نيسة!".

وقد عاش بائساً، وظيفياً ومعيشياً وسكنياً.. حتى عندما ظنَّ أن الدنيا بدأت تبتسم له إثر تخرُّجه من معهد 'جوركي' للأدب في موسكو، في أوائل ثمانينيات القرن المنصرم، ونيله شهادة الماجستير، كانت مواقفه الصلبة تحُوْل دائماً دون أن تكتمل ابتسامة الدنيا له، فإذا بمشروع الابتسامة يستحيل إلى تكشيرة حقيرة!

فقد جاء ميفع إلى الدنيا مُقارِعاً من الصنف الذي لا يصدأ له معدن ولا يهدأ له عصب. وهكذا عرفه رفاقه وزملاؤه في عهد الرئيس علي ناصر محمد، ثم في زمن البيض وشركائه، ثم في فترة الوحدة والانفصال ومرحلة عفاش، وأخيراً في زمن الأوباش الذي صار فيه أبطال القشاشة نجوم الشاشة، وفي أتون هذه الحرب الضروس التي أحرقت أكباد الناس، ودكّت بُنيان الأساس، وأغارت على خيام اللاجئين قبل ثكنات المتقاتلين، ثم وسَّعت رقعة العمالة والنذالة والارتزاق الرخيص على حساب أمثال ميفع عبدالرحمن.

كان ميفع من تلك العجينة التي تختلف مع صاحبها أحياناً حتى العظم، ولكنك تظل تحترمه إلى أبعد الحدود.. وقد تختصمه وربما تقاطعه حيناً، ولكنك تظل تحبه وتخشى عليه وتتمنّى له كل خير الدنيا.. فهو من طينة نادرة من البشر، ومن صنف نادر من المثقفين ممن لا يعرفون طبع الحرباء ولا طابع الأفعى ولا طبيعة الغراب.

ومنذ أن تعكَّر صفو الحياة تماماً في السنين المنصرمة، لم يعد ميفع يمسك قلماً ولا يقطر حبراً، فقد صار يتشظى ألماً ودماً، ويُكابد تدهور الوضع في اليمن والصحة في البدن، حتى بلغت به رداءة الأوضاع إلى جلطة يناير الماضي التي ظل يعاني من تبعاتها حتى نهار يوم أمس حين عاودته ثانيةّ لتكون القاتلة هذه المرة.

رحمة الله تغشاك يا صاحبي الذي لم أحظَ بوداعه كما يليق به، وكما تقتضيه الصداقة ... فوداعاً.

مقالات

لا ضوء في آخر النفق!

عندما بدأت الحرب على اليمن في 26 مارس، بدون أي مقدّمات أو إرهاصات أو مؤشرات تدل على حرب وشيكة، حيث تزامنت هذه الحرب مع هروب عبد ربه منصور إلى سلطنة عُمان، وكان قرار الحرب سعودياً، ثم إماراتياً خالصاً، تحت مسمى "إعادة الشرعية"، التي في الأصل قامت السعودية بفتح كل الطرق لدخول الحوثيين إلى صنعاء وطرد الشرعية منها، وأن هذه الحرب لم تكن مرتجلة بل مخطط لها لإعادة اليمن إلى ما نحن عليه اليوم، من شتات وتمزّق.

مقالات

هنا بدأت رحلتي

أضواء خافتة تقسم الشارع بالتساوي بين الذاهبين والقادمين، قمر في السماء يوزع ضوءه بين سطوح المنازل وقناة الماء في ميدلبورغ، وأنا أجلس خلف ضوء دراجتي الهوائية، وخلف أمنيتي أن يستمر الطريق بلا نهاية.

مقالات

حديث لن يتوقف!

يومَ أعلن علي سالم البيض بيان الانفصال، في خضم حرب صيف 1994م، تنصَّلت جُل - إنْ لم يكن كل - قيادات وكوادر الحزب الاشتراكي عن مسؤوليتها تجاه هذا الإعلان المقيت، الذي لم تقوَ حُجَّته أمام كل ذي عقل بأنه كان اضطرارياً، كما حاول البعض الزعم به يومها، إذْ لم يجرؤ أحد على القول إنه يتفق مع مشروع الانفصال.

مقالات

أمير الشعر الحميني عبر كل العصور

"لا توجد كلمات غنائية أصيلة بدون ذرة من الجنون الداخلي". يطِلُ عبدالهادي السودي من بين هذه الكلمات، لكأنها كتبت فيه، وعن سيرته، وتفردهُ شاعراً، وعاشقاً، وصوفياً، وعلامة فارقة لِعصرهِ، وشاغلاً للأجيال من بعده.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.