مقالات

ورحل صالح الحبشي أحد أهم مؤسسي حزب البعث في اليمن

29/05/2023, 09:45:53

صالح الحبشي أنموذج نادر من الرجال. كان في طليعة التأسيس لحزب البعث في اليمن. هذا القائد القومي المؤسس لواحد من أهم  الأحزاب  السياسية والتيار الفكري في الحياة الثقافية يرحل في صمت مطبق، وغبن فادح، وقهر أعمى وفاجع.

مأساة المناضل الفذ الصامت أبدا أنه بمقدار كفاحه القومي، ودراسته المتعددة في العراق وسوريا ومصر، ومكابدته الشديدة، ومعاناته القاسية، يرحل دون كلمة وداع، أو اهتمام بالتأبين في الشمال والجنوب، وكأنه نكرة أو نسيا منسيا.

تبدأ رحلة هذا المناضل من رحلة عمه حسين الحبشي من جاوا أندنوسيا إلى صنعاء منتصف الثلاثينات القرن الماضي. يذكر الأستاذ أحمد المروني، في مذكراته (الخروج من النفق المظلم: معالم سيرة ذاتية)، أن الوجيه الفاضل حسين بن صالح الحبشي، الذي كان مغتربا في جاوا، جاء بأهله وأولاده إلى صنعاء. ألحق أولاده الصغار بمكتب الأيتام، وقد نالوا قسطا من التعليم في جاوا. وتحدث الأستاذ حسين الحبشي مع اللواء سري شايع المتخرج من الكلية الحربية في إسطنبول، وله أصدقاء في العراق وسوريا ولبنان؛ للحصول على منح دراسية في العراق.

كتب سري شايع لصديقه الوتري - وكيل مجلس الأعيان في بغداد- لقبول عشرة طلاب من اليمن للدراسة في بغداد على نفقة العراق. رحبت العراق بقبول أي عدد من أبناء اليمن. وافق الإمام يحيى على إرسال بعثة بشرط أن يكونوا أولاً من موظفي الإمامة؛ فقد كان الإمام ينظر إلى الحبشي كأجنبي.

كانت البعثة الأولى "السلال، والعمري، والمروني، ومحمد الريدي" في المجموعة الأولى، واشترك في البعثة الثانية أولاد حسين الحبشي، وأولاد أخيه: شيخان الحبشي، وإخوانه. هذه رواية المروني بتصرف شديد.

ويورد الدكتور صالح أبو بكر ابن الشيخ أبو بكر، في كتابه (تريم بوابة الفكر القومي العربي إلى اليمن: علي عقيل بن يحيى رائدا)، القضية كما يلي، فبعد الحديث عن المهاجر الحضرمية يقول: "ولعل بواكير هذا النوع من الهجر طلبا للعلم الحديث في أواسط الثلاثينات من القرن العشرين بدأت بمساعٍ من الوجيه السيد حسين الحبشي، وهو أحد أثرياء الحضارم الذي عاد من أندنوسيا إلى صنعاء...، وكان هذا الوجيه قد حصل من الملك غازي على منحة دراسية...؛ تشجيعا للبعثات العربية إلى العراق.

قدم الحبشي المنحة الأولى للإمام، فكانت البعثة العسكرية الأولى إلى العراق". 

يضيف: "والسيد حسين الحبشي عم للأخوين: شيخان، وصالح عبد الله الحبشي، فضمهما إلى البعثات اللاحقة إلى العراق في ثلاثينيات القرن الماضي"، (اهـ بتصرف).

في الروايتين السالفتين إشارة إلى أن حضرموت والمهاجر الحضرمية فعلاً كانت بوابة الفكر الفومي العربي في اليمن، وأن البعثتين: الأولى، والثانية في صنعاء هي البوابة الكبرى لثورتي 1948- 1962، وانقلاب 1955 في تعز، وكان شيخان الحبشي وأخوه صالح في طليعة تبني ونقل وغرس الفكر القومي في اليمن.

يشير الباحث صالح أبو بكر -في كتابه المشار إليه سابقا- إلى دور شيخان الحبشي -الأخ الأكبر لصالح الحبشي- وعلي عقيل، ودورهما في التأسيس للفكر القومي العربي، وتلاميذهم في التأسيس للبعث في اليمن، وكان أول مسؤول للبعث في عدن ستينات القرن الماضي هو موسى الكاظم.

يذكر رفيقه الدكتور أحمد قايد الصايدي -في تواصل معه- أن صالح الحبشي درس الطب في بغداد، واشترك في مظاهرة حزبية ضد النظام، فتعرض لضربة عنيفة في رأسه من قِبل الشرطة فقد بعدها الوعي، فظل يتعالج من الضربة.

عاد إلى صنعاء قبيل فجر السادس والعشرين من سبتمبر 1962، ورأس المنظمة التي كانت تضم العديد من ضباط الثورة، ومنهم الرتبة العسكرية الكبيرة عبد اللطيف ضيف الله، والملازم محمد مطهر زيد، وعبد العزيز المقالح.

وينسب إليه أنه رأس اجتماعا للضباط المنتمين إلى حزب البعث، وفي العام 1963 رحل إلى دمشق، والتحق بالكلية العسكرية، وتخرج منتصف الستينات. وبعد التخرج من الكلية العسكرية التحق بكلية الحقوق في مصر، وبعد التخرج عمل في بنك من البنوك في عدن، ورغم مغادرته حزب البعث العربي الاشتراكي عقب التخرج من الكلية العسكرية إلا أن تهمة الحزبية والانتماء للبعث، والضربة على رأسه، ظلا يلازمانه، وبقي أثر الضربة، وتهمة البعثية مصدر شقاء ومعاناة لا نهاية لهما؛ فآلام الضربة حاضرة، أما تهمة البعثية فثمرتها القاسية والمرة هو الاعتقال في عدن.

بعد مغادرة الاعتقال عمل لفترة قصيرة في السفارة العراقية، واستمرت المضايقات الأمنية، فهرب إلى صنعاء التي نشأ وتربى فيها في ثلاثينات القرن الماضي.

عمل لفترة ليست بالطويلة في شركة التبغ والكبريت، وعندما أبعد الأستاذ عبد الواحد هواش القيادي البعثي كان صالح الحبشي الذي غادر البعث منتصف الستينات يدفع الثمن بالإبعاد من الوظيفة التي لا مصدر رزق له غيرها.

عمل لفترة في المحاماة، وأتذكر زيارته مع صديقه، الأستاذ عبد الواحد هواش، للدكتور عبد العزيز المقالح - رئيس مركز الدراسات والبحوث اليمني- فعمل لفترة قصيرة كمستشار، ولم يثبت في الوظيفة؛ فانزوى في بيته.

حصلت ابنته على الدرجة الأولى في الثانوية العامة، ولم توفق في الحصول على منحة رغم الوساطات والجهود المضنية؛ فتهمة بعثية أبيها بقيت حاضرة، وامتدت إلى الذرية.

بذل رفيقه الدكتور أحمد قايد الصايدي جهودا كبيرة لتدوين تجربته كأحد الرواد والقادة في البعث القومي، لكنه رفض مجرد الحديث عن تجربته.

حاولت مرارا مع العزيز عبد العزيز الزارقة لإجراء مقابلة معه، أو تسجيل حديث عن تجربته في الحياة، واستنجدنا برفيقه يحيى الشامي لإقناعه فلم يستجب، فقد اختار الصمت المطبق؛ ربما احتجاجا على النكران والإهمال والقمع الذي لحق به في الثورة اليمنية شمالاً وجنوبا؛ فإذا كان الاعتقال، وربما التعذيب، نصيبه في الجنوب؛ فإن الحرمان والطرد من الوظيفية، وعدم حصول ابنته (وهي الأولى) على استحقاق المنحة هي نصيبه في الشمال. كل هذه المآسي قد أرغمته على الانزواء في بيته، وعدم الالتقاء بالآخرين.

كان مشروع طبيب في بغداد، فكسرته الضربة التي أفقدته الوعي، ولازمته حتى الوفاة، ومشروع ضابط مؤهل، فترك العسكرية والحزبية، ودرس القانون ليجد المحاماة في صنعاء تصدر الظلم، ورأى في القضاء قضاءً لا راد لقضائه بأحكامه الجائرة التي لا عقل لها ولا ضمير ولا وازع من دين أو خلق.

مقالات

أبو الروتي (3)

(لحظة انطلقت بنا السيارة شعرت بأنّي كبرتُ، ولم أعد طفلا) فيما رحت أتقدّم باتجاه بيت جدي علي إسماعيل، تذكّرت كلام جدتي، وهي تودّعني عند مشارف القرية، وتقول لي:

مقالات

المساندة لكيان الاحتلال والأكفان لفلسطين!

منذ البدء؛ اختارت الكثير من الأنظمة العربية توزيع الأكفان في غزة. كان ذلك يختصر كل شيء: نتنياهو مطلق اليد، يتولى ذبح الفلسطينيين، بينما ستحرص هذه الأنظمة على أن يكون تكفين الضحايا عربياً خالصاً!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.