مقالات

وقفات سريعة مع الحركة النسوية

08/03/2021, 10:20:59
المصدر : غرفة الأخبار

في يوم المرأة العالمي، سأتجاوز الحديث المتكرر عن مأساة المرأة اليمنية_رغم أهميته_وأنحو بالنقاش نحو موضوع متصل بالمرأة لكنه اتصال بطبيعة المظلة الحقوقية النشطة في موضوع المرأة والتي تصاعد حضورها في اليمن خلال سنوات الحرب بشكل أكبر.

فغي الجانب الموازي لأحاديث الحرب والسياسة والموت اليومي لليمنيين، ثمة مساحات نقاش موازية تجري بشكل دائم ومفتوح، وتتعلق بقضايا إجتماعية ليست بعيدة عن أزمة اليمني بشكل عام، لكنها ذات طبيعة منفصلة قليلًا عن قضية الحرب وربما سابقة له. 

وإحدى مساحة النقاش المحتدمة هذه، ما يندرج تحت مسمى "الحركة النسوية" وهي لافتة قديمة ومتجددة تتخذ من حقوق المرأة منطلقها المركزي للنشاط المكافح بحثًا عن عدالة شاملة للنساء، على كل المستويات، سياسيا وإجتماعيًا وإقتصاديًا، ومناهضة كل أشكال التمييز القائمة على أساس الهوية الجنسية للجنسين. 

في اليمن يبدو تأريخ النشاط النسوي حديثًا، ونقصد هنا حداثة النشاط تحت لافتة التيار النسوي، حيث تشكل ما يشبه تكتلا نسويًا يعمل بشكل عفوي وغير منظم تحت لافتة الحركة النسوية الشهيرة، ويتبني شعاراتها بشكل مماثل لنشاط الحركة في النطاق العربي والعالمي. 

بالعودة للخلف قليلا وعلى مستوى العالم يعود تأريخ الحركة النسوية لجذور زمنية قديمة، بل إن بداياتها الأولى متصل بأفكار الثورة الفرنسية وما تضمنته من أفكار تحررية شاملة تتضمن المرأة بوصفها قطب فاعل في المجتمع ويتوجب أن تأخذ مركزها في مسرح الحياة مثلها مثل شريكها الرجل. 

إلا أن تلك الأفكار لم تتبلور لخطاب متمايز ويشكل منطلقًا للحراك النسوي إلا مع بدايات القرن العشرين، لدرجة أن البعض يطلق على القرن العشرين، بوصفه "قرن النسوية"بامتياز. ويمكن القول أن الموجة الأولى للنسوية امتدت ما بين عام 1840_1920م. 

كانت الموجة الأولى للحركة النسوية هي الموجة المركزية ذات الخطاب الحقوقي الواضح والمطالب الأساسية للمرأة: المساواة في الحقوق والحريات، حرية العمل، الحق في الإقتراع، المشاركة السياسية للمرأة، إعادة صياغة التشريعات بشكل يحقق العدالة وتكافؤ الفرص بين الجنسين ..إلى أخر المطالب الحقوقية ذات الطابع الليبرالي العام. 

لاحقًا ولدت موجة ثانية من النسوية، وكان منطلقها من أمريكا هذه المرة، وتركز نشاطها حول التحرر من السلطة البطركية الذكورية ومناهضة العنف الجنسي ضد النساء، وهذه الموجة بالتحديد، اتخذت من كتابات الفيلسوفة الفرنسية الشهيرة، سيمون دي بوفوار مرجعية لها، وخلاصتها أن الأنثى لا تولد امرأة بل تصير كذلك. 

أما الموجة الثالثة، فكانت تحت لافتة شهيرة عرفت باسم " الجندر" وفكرتها المركزية هي أن الهوية الجنسية للإنسان ليست ثابتة، بل هي حالة سائلة قابلة للتشكل ومعطى إجتماعي أكثر منه حقيقة بيلوجية نهائية، وتعتبر جوديت أبلر المنظرة الأساسية لهذه الموجة، بكتابها المعروف" اضطراب الجندر"

وأخيرًا: الموجة الرابعة والحديثة للنسوية وهي الموجة التي انطلقت مع بداية العقد الماضي وتحديدا بعد ثورات الربيع العربي، وهي موجة تركزت أغلب نشاطاتها حول القضايا الجنسية المتصلة بالمرأة وما تتعرض له: مناهضة زواج القاصرات، مكافحة الاغتصاب، التشهير بالمتحرشين، الدفاع عن حقوق المثليين، وغيرها من القضايا المتصلة بالجنس وما يلحق المرأة من أذئ نابع من هويتها الجنسية. 

من يتتبع مسار تطور الحركة النسوية العالمية، يكتشف وجود خط نضالي متعاقب ومتدرج، حيث النشاط الحقوقي مر بتحولات كثيرة وصولا للحالة التي هو عليه الآن، إلا أن المنطلق الأولي للحركة النسوية الأم كان هو فكرة الحقوق والحريات الأساسية، قبل دخولها في صراعات فرعية حول قضايا ثانوية بعض الشيء. 

وعلى عكس الحالة التطورية للحركة النسوية العالمية، والمراحل الزمنية التي احتاجتها للنضال الحقوقي، تبدو النسوية العربية ومنها اليمن، تخوض نشاطها بشكل متداخل وفوضوي ودونما ترتيب للأولويات، حيث يمثل السخط وردود الفعل المحرك الأول للنضال؛ بدلا من الأجندة الحقوقية المرتبة . 

وفي اليمن بالتحديد يبدو نشاط الحركة النسوية متواضعًا ومرتبكًا وبلا أي أطر تنظيمية أو رؤية مصاغة بطريقة واضحة ومرتبة، ويتجلى النشاط كحالة رفض شاملة ومتوترة لكل ما تتعرض له النساء من تعسف وقمع في البلاد، دونما اشتغال ممنهج للمرافعة عن المرأة بشكل فعال. 

تفتقد الحركة النسوية اليمنية لعوامل القوة والتأثير المنظم على واقع المرأة، وذلك لكونها تشتغل دونما قوة مؤسسية ولا قيادة حقيقية ومعروفة ولها حضور ووزن قادر على صناعة فارق فيما يخص الجانب الحقوقي للمرأة اليمنية.

صحيح أن واقع البلاد المضطرب أثر على نشاط الحركة النسوية في اليمن، إلا أن الحرب ليست السبب الوحيد لارتباكات النشاط النسوي، بل تشوش المرجعية النظرية للحركة النسوية، وتشتت الطاقة النضالية نحو مواضيع تفصيلية ليست ذات قدر من الأهمية. 

بمعنى أخر أن ارتباكات الحركة النسوية اليمنية ليست نابعة من خصوصية الواقع اليمني بل من سيولة فكرة النسوية ذاتها، حيث تبدو النسوية مفردة غير مستقرة ومفتوحة لتأويلات متعددة، ومحملة بدلالات مركبة، وهو ما ينعكس في تعدد نشاطاتها ودخولها في اشتباك شامل مع الوضع، بلا أي موازنة تحفظ الطاقة وتوجه الجهد نحو ما هو ملح وأساسي. 

ما لا تضع له النسوية اعتبارا هو استخدامها لخطاب تحريضي تدفع فيه المرأة للتمرد على واقعها المجتمعي، دون مراعاة لوضعها المجتمعي كفرد مكبل وبلا عوامل قوة ولا قدرة على الاستقلال التام. 

وإنه لمن الحكمة في بلاد كاليمن أن تسعى النسوية لتفكيك السلطة الذكورية عن طريق استمالة القطاع المناصر للمرأة بدلا من استعدائه، بهذا يمكنها أن تنتزع حقوقها دون صدام تعسفي، يعقد إمكانية الحقوق والحريات في بلاد بلا دولة ولا قانون فعال يحمي المرأة .

تعجز النسوية اليمنية عن إدراك الفوارق العملية بين واقع المرأة اليمنية وواقع النساء في بقية الدول، ولهذا نجد اهتماماتها تذهب نحو قضايا هامشية على غرار دول أخرى، وتتناسى أن المرأة اليمنية لم تتحصل بعد على حقوقها الأساسية. 

من الملاحظ أن اهتمامات الحركة النسوية اليمنية، يتركز في معظمه حول المضامين الفكرية للموجات النسوية الأخيرة، وتحديدا الموجة الرابعة والثانية وبدرجة ما الثالثة، فيما الموجة النسوية الأساسية ومضمونها الحقوقي ينحسر ليغدو اهتماما عابرا. متناسين أنه المنطلق الجوهري للحقوق، كما أسلفنا. 

الخلاصة: تحتاج الحركة النسوية اليمنية لتركيز الجهود على المضامين الحقوقية المركزية التي تحتاجها المرأة اليمنية، ومنحها الجهد الأكبر في النشاط، بدلا من استنزاف نفسها في صراعات جدلية حول قضايا من قبيل المثليين وغيرها. 

على أن القضايا الهامشية هذه تظل حقوق طبيعية أيضا؛ لكنها لا تمثل أولوية ملحة في بلاد تعاني فيها المرأة من القمع اليومي وتفتقد للأمان والحرية والحق في التعليم والسفر والوصاية الذكورية الشاملة. 

مقالات

هكذا تكلم المناضل صاحب "اللستة"!

في اليمن، يمكنك أن تتعامل مع الحرية بالمسطرة التي تحددها تحيزاتك. ما تمنحه لنفسك يمكنك أن تمنعه عن غيرك بكل بساطة، بل الأدهى إضفاء طابع أخلاقي للمنع!

مقالات

شاعر سبتمبر وأكتوبر الكبير عبدالله عبد الوهاب نعمان (1)

كما أن السياسة ليست شارعاً واحداً، فإن الثورة ليست خطاً واحداً تعزف عليه الرصاص نشيد النصر والفرح، وإنما الثورة متعددة الخطوط عديدة المواقع، كل خط يؤازر موازيه، وكل موقع يساند مقابله؛ لأن الحياة كل والثورة هي كل عطايا الحياة، وأجمل عطايا الأحياء، فلكي تتآزر خطوطها وتتواصل مسيرتها تتعدد المواقع الثورية، ثورة الزنود إلى جانب جمرات القلوب، وثورات المحاريث والمعاول إلى جانب ثورات المعازف والأغاني والأشعار والأفكار.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.