مقالات

5 نوفمبر.. "الذاتية اليمنية" والدور السعودي!!

05/11/2022, 07:29:37

كثير من العوامل ساعدت "اليمين الجمهوري" وحلفاءه القريبين - من القوى السياسية التي ناصبت عبد الناصر العداء - من إزاحة عبد الله السلال وحلفائه من الحكم في الخامس من نوفمبر 1967م، وتشكيل مجلس جمهوري برئاسة القاضي عبد الرحمن الإرياني، وعضوية أحمد محمد نعمان، ومحمد علي عثمان، وعبد السلام صبرة، وحسن العمري، وفي مقدمة هذه العوامل نكسة  حزيران/ يونيو 1967، التي عجّلت من انسحاب القوات المصرية وأجهزتها الأمنية من اليمن، فصار الطرف القريب منها (الرئيس السلال وحلفاؤه) منكشفاً وهشاً، أما طرف الانقلابيين كان في أوجّ قوّته، التي يستمدها أيضاً من قربه من السعودية المستفيد الأكبر من انكسار وانحسار الدور المصري، وكانت القمة العربية، التي عُقدت في الخرطوم أواخر أغسطس 1967م، بقراراتها الخطيرة بشأن القضية اليمنية، التي أنتجتها -بشكل مباشر- العربية السعودية، وأرادت تمريرها  وشرعنتها بواسطة اللجنة الثلاثية، التي تشكّلت من دبلوماسيين من المغرب والعراق ولبنان.

كان في مخطط السعودية أن تصفّي القضية اليمنية على قاعدة ومفهوم الأطراف المعنية (الجمهوريون والملكيون والقوى الثالثة)، بحيث يكون الطرف المسيطر  فيه هو القريب منها، أو ما يُعرف بصاحب مشروع الدولة الإسلامية (الملكيون والقوى الثالثة)، الذي بدأ دوره يبرز ابتداء من مؤتمر عمران في سبتمبر 63 (بعد أقل من عام على قيام ثورة سبتمبر، وطالب فيها المؤتمرون التصالح مع الملكيين، وطرد القوات المصرية)، ثم مؤتمر خمر في مايو 65، ولقاء الطائف في يوليو 65، ومؤتمر الجند في أكتوبر 65، وأخيراً مؤتمر حرض في نوفمبر 1965.

الأحداث التي شهدتها صنعاء، في 3 أكتوبر 1967، على خلفية مظاهرات رفض تواجد ممثلي اللجنة الثلاثية في صنعاء، وأدت إلى مقتل أكثر من ثلاثين جندياً وخبيراً مصرياً عُزَّلاً في شوارع صنعاء، سرَّعت من مخطط التخلص من بنية النظام الذي على رأسه السلال، الذي يناصب السعودية العداء بشكل واضح.

يقول الراحل عمر الجاوي في كتابه "حصار صنعاء":
"هناك حقيقة يجب أن تقال، ونحن في معرض الحديث عن حكومة انقلاب 5 نوفمبر، فالذين تكتّلوا من أجل صنع الانقلاب هم مجموعة غير متجانسة في توجهها السياسي والأيديولوجي، وحتى علاقاتها العربية والأجنبية. فلقد كان القاسم المشترك لجميع هذه الفئات والعناصر ما سمي آنذاك بـ الذاتية اليمنية، التي كانت تعني حينها إخراج القوات المصرية، وتأكيد المصالحة مع السعودية، حسب اتجاه كل طرف من أطراف الحكم. ولهذا السبب لم تستطع الرجعية السعودية أن تنفّذ مخططها بكامله بعد 5 نوفمبر، الأمر الذي دفعها إلى بدء الحصار، وتنفيذ مخططها بقوّة طلقات الهاون والقنابل الصاروخية (1)".

أما الدكتور أبوبكر السقاف فيقول في كتاب "الجمهورية بين السلطنة والقبيلة":
"جاء انقلاب الخامس من نوفمبر ثمرة الهزيمة، واستلم السلطة تحالف جديد، ونهجه السياسي لم يكن إلاَّ تطبيقاً  لمطالب مؤتمرات عمران وخمر والجند. وصلت (الذاتية اليمنية) إلى الحكم سياستها: مهادنة الاستعمار، والتحالف مع الرجعية السعودية، وتصفية الجيش اليمني والحياة السياسية من القوى الراديكالية التي تمثل الثورة الوطنية الديمقراطية، والتي كانت ضعيفة عند إعلان الجمهورية، لكنها كسبت مواقع اجتماعية وسياسية وعسكرية، وتطوّرت مع صعود حركة التحرر  الوطني وشعاراتها الشعبية والشعبوية (2)".

هذان الرأيان اتفقا على تسمية الحدث بالانقلاب، وحددا دوافعه السياسية، وأبرزا الدور السعودي الصريح في تنفيذه، أما واجهة الانقلاب ورئيسه القاضي عبد الرحمن الإرياني فسمى هذا الفعل بالحركة التصحيحية داخل النظام الجمهوري، حين أورد في  الجزء الثاني من مذكراته:

"كان معظم المشايخ الملكيين  يزعمون أن مناصرتهم لبيت حميد الدين إنما كان بسبب وجود القوات المصرية، وسبب تولي الرئيس السلال لرئاسة الجمهورية، وكان على رأس هؤلاء الغادر، وفكرنا في الأمر وقال المشايخ إن أحد العاملين -وهو الوجود المصري- قد زال بانسحاب القوات المسلحة  المصرية وبقي السلال، فنرى نرى تنحيّته، ويكون الإرياني  بدلاً عنه، ونقوم بعد ذلك بتوجيه نداء لإخواننا المشايخ،  ندعوهم فيه إلى اللقاء في ظل النظام الجمهوري... وبعد أخذ ورد اتفقنا على تطبيق قرارات مؤتمر خَمِر. وبناء عليه تم تشكيل مجلس جمهوري  برئاستي، وعضوية الشيخ محمد علي عثمان والأستاذ أحمد محمد نعمان والقاضي عبد السلام صبرة والفريق حسن العمري، كما تشكّلت وزارة برئاسة الأستاذ محسن العيني، وتلمّسنا رأي القوات المسلّحة، وبالذات الصاعقة والمظلات، وهما أقوى وحدتين في الجيش، فكان الإجماع منعقداً، وكذلك هو شأن المشائخ، باستثناء الشيخين أحمد العواضي ومحمد ناجي القوسي، فقد كانا من المؤيدين للسلال، ولكنهما في الأخير  دخلا في صف الجماعة، وقاما بواجبهما في الدفاع عن الثورة في ظل الوضع الجديد.

وفي أثناء الليل انتقلنا إلى بيت الشيخ عبدالله بن حسين الأحمر، واتفقنا على صياغة  البيان الذي أذيع صبح يوم الخامس من نوفمبر، بتشكيل المجلس الجمهوري، مع بيان تشكيل الحكومة وتنحية السلال، وأشرنا في البيان إلى التنديد بأحداث ثلاثة أكتوبر  ضد القوات المصرية، وحمّلنا السلال تبعة ذلك، وقد أردنا بذلك أن نكسب الـ ج ع م إلى جانبنا، وكانت قواتها لاتزال  في الحديدة وحراز والحيمة (3)".

توصيف الخامس من نوفمبر بالحركة يظهر أيضاً في كتابات أحد قادة الجيش - القيادي البعثي المعروف، علي محمد هاشم، الذي يرى أن "ضعف  سلطة السلال وافتقارها لحسن القيادة، وانقسام قوى تحرير الجنوب اليمني، وضعف القوى الوطنية في الشمال، وتداعيات نكسة يونيو 67 بتحوّل القيادة من التيار التقدمي إلى التيار الرجعي، واستهداف القوى الرجية لليمن بإرسال لجنة السلام الثلاثية، كلها عوامل ساعدت على نجاح الحركة، وعلى الرغم من أهمية  وحيوية حركة 5 نوفمبر لإنقاذ اليمن من الوضع المتردي إلا أنها لم تكن بمنأى عن التآمر الداخلي(4)". ويشير صراحة إلى "رئيس المجلس الجمهوري القاضي الإرياني الذي رأى فيه عقلية التآمر، ورائد الإنقضاض على التوجّه التقدًمي داخل الحركة، فقد بدأ الانقلاب على الحركة (5 نوفمبر) عندما ألقى خطابه في المؤتمر التأسيسي لاتحاد الطلاب اليمنيين، في مطلع 1968م، فقد كشف عن تبنّيه سياسة محاربة الحزبية التي ناضلت القوى الوطنية للتخلص منها (5)".

لم يتردد الأستاذ محسن العيني -أحد الزعامات البعثية والفاعلين الرئيسيين في الحدث- في تسميته بالانقلاب في مذكراته، وسمى فصلاً من الكتاب تحت  مسمى "انقلاب نوفمبر" (6)، لكنه في المحتوى يعود إلى تسميتها بالحركة، وحاول إكسابها بُعداً وطنياً، بأن الجميع شارك فيها بما فيها قادة الوحدتين العسكريتين الجمهوريتين القويتين (الصاعقة والمظلات)، حين قال:

"لقد تردد ضباط الجيش على منزلي في الطبري، وألحّوا وأصرّوا على ضرورة الموافقة على الحركة والاشتراك فيها، وجاءني المرحوم عبد الرقيب عبد الوهاب وقال [إذا أردتم الحفاظ على الجمهورية فلا بُد من إطاحة الوضع القائم]... خروج الرئيس السلال وإصرار ضباط الصاعقة والمظلات كانا السبب الرئيسي والحاسم في حركة 5 نوفمبر، وكل من يدّعي غير هذا يجافي الحقيقة ويظلم التاريخ، أو يعرف ما لا أعرف (7)".

الخلاصة: الخامس من نوفمبر بوصفه انقلاباً كان العثرة الجمهورية الكبرى، وأدت تداعياته المتعددة إلى أحداث ونكسات كبيرة في المسار الثوري، أو كما قال قادري أحمد حيدر في إحدى مقالاته: "وجاء انقلاب ٥ نوفمبر ١٩٦٧م لاستكمال الحفاظ على منظومة الدولة العميقة القديمة، باستبدال بيت حميد الدين بالمشايخ، وهنا تكمن أزمة النظام الجمهوري، بعد إفراغه من مضمونه الوطني والاجتماعي والديمقراطي (8".
_____________
(1) حصار صنعاء - ريبورتاج صحفي حي من أرض الأحداث في حرب السبعين يوماً، مؤسسة صوت العمال، عدن 1975 ص6
(2)  الدكتور أبوبكر السقاف، الجمهورية بين السلطنة والقبيلة في اليمن الشمالي، الطبعة الثانية، صنعاء 2021 ص61
(3) مذكرات الرئيس القاضي  عبدالرحمن بن يحيى الإرياني، الجزء الثاني 1962- 1967، الطبعة الأولى 2013، الفصل الحادي عشر: حركة الخامس من نوفمبر ص 620- 621
(4)  ينظر علي محمد هاشم، مسيرة الحركة الوطنية اليمنية 1962-2011م (رؤية نقدية)، الطبعة الثانية 2020 ص60 و61و 65.
(5) علي محمد هاشم، نفسه ص 65.
(6) ينظر الفصل الرابع من كتاب محسن العيني، "خمسون عاماً في الرمال المتحركة - قصتي مع بناء الدولة الحديثة في اليمن" -  الطبعة الثانية، مؤسسة الميثاق للطباعة والنشر - أبريل 2006.
(7) محسن العيني، نفسه ص 132.
(8) (محنة الاضطهاد المتخيل للزيدية) https://www.khuyut.com/blog/alzaidiyah

مقالات

أبو الروتي ( 14 )

كان المعهد العلمي الإسلامي يتبع الشيخ محمد سالم البيحاني -خطيب وإمام مسجد العسقلاني في كريتر- وكان مدير المعهد هو الأردني ناظم البيطار، الرجل الذي كان مجرد ظهوره يثير فينا الرعب.

مقالات

ما العمل؟

عندما قرأ مقالي «ماذا ننتظر كيمنيين؟»، عَقَّبَ الأستاذ المفكر الإسلامي زيد بن علي الوزير بسؤال: «ما الحل؟»، و«ما المخرج؟»؛ وهو «سؤال العارف». وقد وردَ في الأثر: "ما المسئول بِأعلمَ مِنْ السائل".

مقالات

"أيوب طارش".. اسم من ذهب

ما أكثر ما تعرَّض أيوب طارش لعداوات ساذجة من بعض المحسوبين -بهتانا- على رجال الدين، وخطباء المنابر المنفلتة، ليس آخرهم عبد الله العديني، الذي أفسد دينه ودنياه وآخرته بإثارة قضايا هامشية لا تهم أحدا سواه

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.