أخبار سياسية

بين حاجزين.. المناطق الرمادية مصيدة تلتهم المسافرين

12/02/2024, 09:42:14

"كيفك يا ولي الله"، هكذا بدأ وائل الصمدي بكل ثقة، مخاطبة رجل الأمن بلهجة محافظة صعدة، وبالكلمات والمصطلحات التي يتداولها عناصر مليشيا الحوثي في أحاديثهم، قبل أن يشعر أنه جذب انتباه الرجل، وسيقع بمأزق قد لا يستطيع الخروج منه.

حاول رجل الأمن في إحدى نقاط التفتيش، الواقعة في منطقة التماس بين مليشيا الحوثي، والحكومة الشرعية، في الطريق البديل بمنطقة الأقروض، استدراج المسافر أكثر ومعرفة هوية، فأخبره أنه تابع لـ"أبو هيثم" -أحد مشرفي الحوثيين في محافظة ذمار- واستعرض بكل ثقة علاقاته بقيادات للمليشيا.

ولم ينسَ الصمدي -خلال حديثه- أن يشتم من يسمونهم بالمرتزقة، وأدوات العدوان السعودي - الإماراتي، مسترسلا بالتفاصيل من دون أن يحس بفداحة الخطأ، الذي يقترفه، حتى طلب منه رجل الأمن الترجل من السيارة.

بدأ وجه الصمدي بالعبوس، والشعور بأن قدميه لم تعودا تستطيعان حمله، وهو يرى الموقف يتكشف أمام عينيه، ويدرك أن الحاجز الأمني يتبع عناصر من القوات التابعة للحكومة الشرعية، وليس للحوثيين.

أجرى أفراد النقطة تحقيقا مطولا؛ لمعرفة كل التفاصيل المتعلقة بعمله وهويته، بينما كان يحلف الأيمان المغلظة أن كل ما قاله ليس أكثر من مجملات، وقعت في المكان الخطأ، بهدف تسيير طريق سفره إلى مدينة تعز بسلام.

أصدقاء الصمدي رفضوا مواصلة الطريق بدونه، وحاولوا بشتَّى الطّرق إقناع الجنود بأن ما حصل مجرد سُوء تقدير للوضع، ولم ينجحوا في إطلاق سراحه إلا بعد التواصل مع قيادات من اللواء 35 مدرع، تربطها بينهم علاقات قرابة.

- انتهاكات حواجز التفتيش

بلغ عدد حواجز التفتيش، ونقاط الجباية التي استحدثتها مليشيات الحوثي وحدها، 1907 نقاط وحواجز تقع على طول الخطوط الرابطة بين العاصمة صنعاء وعدن وتعز، ومحافظتي الحديدة وريمة، بالإضافة إلى محافظات عمران، الجوف، صعدة، بحسب منظمة "رايتس رادار" لحقوق الإنسان ومقرها أمستردام.

المنظمة في تقريرها "نقاط الموت" رصدت -خلال الفترة الممتدة بين فبراير 2014 حتى ديسمبر 2021- أن عدد الانتهاكات التي ارتكبتها أطراف الحرب بحق المسافرين وسائقي المركبات وصل إلى 13574 حالة، حدثت في 1352 نقطة وحاجز تفتيش، توزّعت بين 20 محافظة يمنية، وتنوّعت بين القتل، والإصابة والاعتداء الجسدي، والاختطاف والإخفاء القسري والتعذيب، إضافة إلى النهب وفرض الإتاوات، وتقييد حركة التنقل.

ونتج عن الانتهاكات الواقعة على حواجز التفتيش مقتل 553 مسافراً، بينهم 59 طفلاً، و26 امرأة، و42 مسناً، بالإضافة إلى 904 جرحى، بينهم 119 طفلاً و67 امرأة و40 مسناً، حدثت في 19 محافظة بعضها وقعت في محافظات جنوبية قبل انسحاب القوات التابعة للحوثيين، وحليفها علي عبدالله صالح منها.

وتصدرت مليشيات الحوثي -بحسب التقرير- قائمة الانتهاكات، بعدد قتلى وصل إلى 385 شخصا، بينهم 33 طفلاً، و16 امرأة، و25 مسناً، علاوة على 479 مصاباً، بينهم 59 طفلاً، و35 امرأة، و21 مسناً.

- هفوات قاتلة

على نقطة التفتيش ذاتها في منطقة الأقروض، التي تورّط فيها الصمدي، وقع "غمدان" بالخطأ نفسه في رحلته إلى مدينة تعز لاستلام راتبه ضمن كشوفات النازحين.

انطلق غمدان، الذي يعاني من إعاقة حركية في إحدى قدميه، من صنعاء مع عدد من أصدقائه على حافلة صغيرة، وفي المنطقة الرمادية لم يُنبّه سائق الحافلة أنه وصل إلى منطقة الحكومة ليغير من كلامه الذي ظل يردده لأفراد النقاط التابعة للحوثيين.

توقفت عبارات تشجيع ومدح أفراد الحوثيين، أو ما أطلق عليهم "رجال الرجال"، وسط حالة من الذهول والصمت الرهيب لأصدقائه، الذين كانوا يدركوا أن كلامه لم يعد بالمكان المناسب، وحاولوا التلميح والإشارة له ليصمت، لكن دون جدوى. 

أصيب غمدان بالرّعب، عندما طلب منه الجنود النزول من الحافلة لاحتجازه، فانقلب به الحال إلى شتم وسب الحوثيين، والتبرير بكل الوسائل أن كلامه كان مجرد استرضاء للمليشيات؛ خوفا على نفسه من الاحتجاز.

أطلقت النقطة الأمنية بعد توسله وزملائه سراحه؛ لكونه مصابا بإعاقة في إحدى رجليه، ليدخل في مرحلة من الصمت المطبق حتى عودته إلى منزله في صنعاء، كما يؤكد لـ"بلقيس". 

- السفر للضرورة

الخوف من الاعتقال في حواجز التفتيش، لاسيما الواقعة في مناطق التماس، جعل كثيرا من الناس يحجمون عن السفر إلا للضرورة القصوى، وجعل أكثرهم يقومون بإجراءات احترازية كالتوقف عن الكلام في الأمور السياسية، وحذف كل ما يثير الشبهات على الهواتف المحمولة، وغيرها.

وبحسب دراسة نفذها مركز صنعاء للدراسات الإستراتيجية، بعنوان "أوزار الحرب على طرق اليمن"، أكدت الغالبية العظمى من المسافرين تخوفهم من السفر إلا للحاجة الملحة، حيث أشارت 54% من عينة الاستطلاع إلى أن التزامات العمل هي من تجبرهم على السفر، فيما 42% يسافرون لزيارة عائلاتهم، و21% يضطرون إلى السفر للعلاج.

وأشار أكثر من 60% من المشاركين في الاستبيان إلى أن الأمن يأتي على رأس أولوياتهم عند التخطيط للسفر؛ متجاوزا الجوانب الأخرى كالتكلفة، والراحة، وخبرة السائق، ومدى إلمامه بالطرق، والخصوصية، وفضل ما يقرب 80% منهم التنقل خلال فترات النهار لما يعززه ذلك من شعور بالأمان، بينما اعتبر 15% أن السفر في أوقات الليل أكثر أمانا. 

الصمدي وغمدان ليسوا إلا نماذج لآلاف المسافرين، الذي وقعوا في فخ مصيدة المنطقة الرمادية، وقضى بعضهم سنوات من الاعتقال، أو اضطر إلى دفع مبالغ مالية مقابل إطلاق سراحه.

وبحسب عدد من المسافرين، قد تتغاضي القوات التابعة للحكومة الشرعية عن هفوات البعض، وتقبل مبرراتهم الناجمة عن مشاعر الخوف من الطريق، إلا أن هذه الأخطاء تعد قاتلة إذا ارتكبت في حواجز تفتيش تابعة للمليشيات الحوثية، أو القوات والتشكيلات التابعة لدولة الإمارات، التي تأتي في المركز الثاني بقائمة الانتهاكات ضد المسافرين، كما تؤكد منظمة "رايتس رادار".

أخبار سياسية

"الدبلوماسية لا تجدي".. الحكومة تطالب بدعم أمريكي لتحرير الحديدة

الحكومة، تطالب الولايات المتحدة الأمريكية، بدعم الجيش اليمني لتحرير ميناء الحديدة الخاضع لسيطرة مليشيا الحوثي، مؤكدة أن ذلك سيمكنها من حماية البحر الأحمر وإجبار الحوثيين على الانخراط في السلام.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.