تقارير

الاعتقالات وتهم التجسس تثير قلق الدبلوماسيين وعمال الإغاثة في اليمن

29/10/2024, 16:51:50
المصدر : نيويورك تايمز - ترجمة خاصة

اعتقلت مليشيا الحوثي، المدعومة من إيران، عشرات اليمنيين المرتبطين بالسفارة الأمريكية، أو المنظمات الدولية مؤخرا.

وكان شائف الهمداني، وهو موظف يمني سابق في السفارة الأمريكية في بلاده، قد اعتقل في عام 2021 من قبل المسلحين الحوثيين، الذين سيطروا على العاصمة صنعاء.

في السنوات التي تلت ذلك، لم تعرف عن قضيته، وقضية 10 موظفين يمنيين، أو سابقين في السفارة الأمريكية محتجزين معه، أية معلومات، باستثناء أنهم كانوا محتجزين بسبب صلاتهم بالولايات المتحدة.

ثم في شهر يونيو، ظهر الهمداني مرة أخرى بشكل مؤلم للغاية في شريط فيديو دعائي أصدره الحوثيون، معترفا بالتجسس لصالح الولايات المتحدة وإسرائيل.

وقال آدم إيريلي، وهو دبلوماسي أمريكي عمل مع شائف الهمداني في السفارة منذ أكثر من عقدين: "لقد حطم قلبي مشهد رؤية شايف في بذلة السجن الزرقاء تلك، وهو مجبرا على الاعتراف تحت الإكراه".

تم نشر الفيديو، في أوائل شهر يونيو، بعد أيام قليلة من قيام الحوثيين، وهم مليشيا مدعومة من إيران تسيطر الآن على معظم شمال اليمن، بسلسلة جديدة من الاعتقالات.

حيث اعتقلت ما لا يقل عن 27 موظفا من وكالات الأمم المتحدة، أو المنظمات الإنسانية المحلية والدولية. وفي الأسابيع التالية، اعتقل الحوثيون عشرات من اليمنيين الآخرين الذين يعملون لصالح منظمات مماثلة.

أثارت موجة الاعتقالات هذه، في شهر يونيو، مخاوف من حملة أوسع نطاقا على أولئك المرتبطين بالمنظمات الدولية والبعثات الأجنبية في اليمن.

وتصاعدت التوترات بين الحوثيين والغرب، خلال العام الماضي، حيث هاجم المسلحون اليمنيون الشحن الدولي في البحر الأحمر وخليج عدن، وأطلقوا صواريخ على إسرائيل تضامنا مع الفلسطينيين في غزة.

وقالت ندوى الدوسري، وهي محللة للصراعات، إن قمع الحوثيين واحتجازهم موظفي الأمم المتحدة والموظفين الدوليين مستمر منذ خمس سنوات على الأقل. غير أنها أشارت إلى أن الموجة الأخيرة من الاعتقالات لها هدفت بشكل محدد إلى خنق الدعم المحلي للقوى والمؤسسات الغربية.

وأضافت الدوسري: "إن استهدافهم لموظفي الأمم المتحدة هو تكتيك متعمد لابتزازهم من أجل أن يقدّموا تنازلات باستخدامهم كرهائن".

إذ "يسعى الحوثيون للسيطرة على من يعمل لصالح الأمم المتحدة، والمنظمات الدولية، وتنصيب مناصريهم بدلا عنهم للسيطرة الكاملة على المساعدات الدولية".

ويعد اليمن موطنا لواحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم. إذ يحتاج أكثر من نصف السكان، حوالي 18.2 مليون شخص، إلى شكل من أشكال المساعدة الإنسانية، وفقا للأمم المتحدة؛ وهذا يجعل عمل منظمات الإغاثة الإنسانية المحلية والدولية مهما جدا.

أدانت وزارة الخارجية الأمريكية موجة الاعتقالات الأخيرة، واتهمت الحوثيين بالسعي لنشر معلومات مضللة من خلال اعترافات قسرية ومزيفة متلفزة حول أدوار الموظفين اليمنيين الحاليين والسابقين في السفارة الأمريكية.

وقال تيم ليندركينغ، المبعوث الأمريكي الخاص لليمن، في مقابلة له: "نحن حزينون للغاية لرؤية زملائنا بهذه الطريقة، حيث إن جميعهم دون استثناء، لم يفعلوا شيئا مضرا باليمن"، مضيفا: "هذه الاعترافات القسرية ملفقة تماما، إنها مجرد مسرحية".

وأغلقت الولايات المتحدة سفارتها في صنعاء عام 2015 بعد أن استولى الحوثيون بالقوة على السلطة في العاصمة، ويعمل السفير الأمريكي الخاص في اليمن الآن من العاصمة السعودية الرياض.

ومن غير الواضح ما إذا كانت قد وجهت أي تهم إلى المعتقلين مؤخرا، إلا أن الحوثيين اتهموا شائف الهمداني والأشخاص الآخرين، الذين اعتقلوا في عام 2021، بالتآمر ضد البلاد، واتهموهم بأنهم جزء من "خلية تجسس أمريكية - إسرائيلية".

توفي شخص واحد على الأقل، احتجز في شهر يونيو، وهو محمد خماش وعمره 55 عاما، في معتقل للحوثيين الأسبوع الماضي، وفقا لعائلته.

وفي حديثه العلني بعد نشر الاعترافات المصوّرة، قال زعيم الحوثيين، عبد الملك الحوثي، إن أعضاء شبكة التجسس المزعومة، الذين اعتقلوا في عام 2021، كانت لديهم دوافع "تخريبية" وراء عملهم الإنساني.

وظهر الهمداني في الفيديو، الذي نشره الحوثيون، وهو يدعي أنه عمل بأوامر من الدبلوماسي الأمريكي إيريلي.

وكتب إيريلي على وسائل التواصل الاجتماعي، في يونيو الماضي: "هذا الفيديو كاذب ومروّع"!.

وأضاف: "أجل، كان شايف الهمداني يعمل معي في السفارة الأمريكية في صنعاء، غير أنه لم يكن أي منا نعمل كجواسيس».

وتابع: "لقد أدرنا برامج تعليمية وثقافية، بموافقة الحكومة اليمنية، لتطوير مؤسسات حرة ومستقلة".

وبعد أن اجتاح الحوثيون صنعاء، في عام 2014، اضطرت الحكومة المعترف بها دوليا هناك إلى الفرار إلى مدينة عدن الجنوبية، ثم شن التحالف، الذي تقوده السعودية، تدخلا عسكريا استمر لسنوات للإطاحة بهم، إلا أنه فشل في ذلك. إذ بقي الحوثيون في السلطة في شمال اليمن، ويحكمون معظم سكان البلاد.

وتسيطر الجماعة الآن على دولة فقيرة تمتد عبر شمال اليمن، وتحكمها بقبضة حديدية. وقد سلطت الاعتقالات السابقة الضوء على نمط من الاعتقالات التعسفية، وفقا لتقارير صادرة عن جماعات مثل "هيومن رايتس ووتش".

أصدر الحوثيون مقاطع فيديو ممنتجة بشكل كبير، تضم موسيقى ورسومات، تظهر رجالا آخرين غير شايف الهمداني، البالغ من العمر 63 عاما، وهم يعترفون بالتجسس أيضا.

حاولت صحيفة "نيويورك تايمز" الاتصال بالعديد من أقارب الرجال المتهمين بالتجسس، غير أنهم رفضوا جميعا التحدث علنا خوفا من انتقام الحوثيين.

وقال عامل إغاثة يمني لا يزال في البلاد، طلب عدم الكشف عن هويته؛ خوفا من الانتقام، إن القمع في اليمن وصل إلى مستويات "مرعبة".

وأضاف الناشط أن ذلك، بالإضافة إلى نقص التغطية الإعلامية الإخبارية والاهتمام العالمي، جعل عواقب الاصطدام بالحوثيين أكثر خطورة.

ووصف ما لا يقل عن ستة يمنيين عملوا عن كثب مع  شائف الهمداني، أو عرفوه بأنه مواطن مخلص قضى حياته المهنية في خدمة مواطنيه، وقد كان قاسيا عليهم  مشاهدته وهو يصوّر على أنه خائن.

ومن بين أولئك الذين يتابعون قضية الهمداني عن كثب هشام العميسي، وهو متحدث إعلامي يمني بارز، إذ قال إنه تعرض للتعذيب على أيدي الحوثيين خلال احتجازه لمدة خمسة أشهر.

واضاف: "نحن نعلم أن الرسالة وراء هذه الاعتقالات لا تستهدف العالم الخارجي، ولكنها تهدف إلى إرسال رسالة إلى المواطنين اليمنيين العاديين؛ مفادها أنه ستكون هناك عواقب إذا عملوا مع أي طرف باستثناء الحوثيين".

وقال السفير الأمريكي إلى اليمن، ستيفن فاجين، عن الاعتقالات الأخيرة: "إن ارتكاب الحوثيين لهذه الأعمال المتطرفة ضد إخوانهم اليمنيين هو قصر نظر كبير وقاسٍ وغير إنساني".

وبالرغم من هذه الإدانات، واصل الحوثيون حملتهم القمعية.

وفي شهر أغسطس الماضي، اقتحم الحوثيون مكتب الأمم المتحدة لحقوق الإنسان في صنعاء، واستولوا على وثائق وأثاث ومركبات. وأدان فولكر تورك، مفوّض الأمم المتحدة السامي لحقوق الإنسان، الإجراء، ووصفه بأنه "هجوم خطير على إمكانات الأمم المتحدة على أداء تفويضها".

وأكدت الأمم المتحدة أن العديد من العاملين في المجال الإنساني، الذين اعتقلوا في شهر يونيو  الماضي، أحيلوا إلى المحاكمة الجنائية من قبل سلطات الحوثيين.

وقالت عدة وكالات تابعة للأمم المتحدة ومنظمات دولية، في رسالة مؤرخة في 12 أكتوبر الماضي: "إن احتمال توجيه اتهامات ضد زملائنا أمر غير مقبول، ويزيد من متاعب الاحتجاز المطول بمعزل عن العالم الخارجي، الذي عانوا منه مسبقا".

ومن النتائج المهمة المحتملة لحملة القمع هذه أنها دفعت وكالات الأمم المتحدة والحكومات الغربية إلى إعادة تقييم منحها المقدمة إلى المناطق التي يسيطر عليها الحوثيون.

وقال ليندركينغ: "إن هذا يطرح بعض الأسئلة الخطيرة للغاية على الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية هذه حول ما إذا كان بإمكانهم الاستمرار في العمل في اليمن، فإذا كان الأمر كذلك، فبأي شروط!".

وأضاف: "نريد مساعدة الشعب اليمني، غير أن الحوثيين يجعلون القيام بذلك الأمر بأمان أكثر صعوبة".

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.