تقارير
حصاد الاقتصاد اليمني خلال 2024 .. ركود وأزمات خانقة وتوقعات بمزيد من الانهيار
تشهد المناطق الخاضعة لسيطرة ميليشيا الحوثي ركودًا اقتصاديًا غير مسبوق، أثّر على حياة المواطنين، في ظل إدارة "غير فعالة" من قبل الميليشيا التي توجه جميع الإيرادات التي تجنيها نحو لتمويل أنشطتها العسكرية.
أينما حطيت رحالك في مول أو سوق شعبي أو حتى بقالة لبيع المواد الغذائية، تكاد حركة البيع والشراء لا تذكر، مع استمرار الجبايات التي تفرضها ميليشيا الحوثي وتسببت في إنهاك قطاع المال والأعمال وحتى المشروعات الصغيرة.
ويعرّف المكتب القومي للأبحاث الاقتصادية في الولايات المتحدة الركود الاقتصادي بأنه "الانخفاض الكبير في مستويات النشاط الاقتصادي، والذي يستمر لأكثر من بضعة أشهر، والمتمثل في انخفاض مستويات الإنتاج والتوظيف والدخل الحقيقي ومؤشرات أخرى"، في حين يرى البنك الدولي أنه انكماش مؤشرات أخرى تدل على ضعف النمو الاقتصادي العالمي، مثل الانخفاض المطول في الناتج المحلي الإجمالي، وارتفاع معدل البطالة مع انخفاض الطلب الكلي على السلع والخدمات".
يقول عبدالرحمن قائد بائع مصوغات وحلي وعقيق في شارع هائل بالعاصمة صنعاء لـ"بلقيس نت": "يوميا افتح المتجر من الصباح الباكر حتى ساعات متأخرة من الليل لكن لا يزورنا أحد زبون وإن حدث فهو يتفرج فقط ولا يشتري أي قطعة".
يضيف قائد الشاب الأربعيني الذي انقطع راتبه الحكومي واضطر إلى الاقتراض لفتح مشروعه الخاص: "كانت الأوضاع في البداية جيدة، لكن منذ بداية العام الجاري لم أجن أي مبلغ أستطيع من خلاله تعويض كلفة الإيجارات كأقل القليل".
ويتابع قائد وفقدان الأمل والحسرة تبدو على ملامحه: "المواطنون يمرون جميع الأوقات من السوق لكن لا أحد يشتري شيئًا، باستثناء الأساسيات كالمأكل والمشرب. يبدو أني سأضطر إلى اغلاق المحل، والبحث عن مجال آخر".
صعوبة في البيع
من جانبه، يقول عمار الحبيشي، (22 عاما) بائع الخضروات في سوق القاع وسط العاصمة صنعاء، لـ"بلقيس نت": "كان لدي زبائن يشترون الخضروات خاصة البطاط والطماطم بالسلة، الآن أصبحت أبيع لهم ربع كيلو".
ويتابع الحبيشي: "كنت أبيع في اليوم ما بين 10 إلى 15 سلة من الطماطم والبطاط من الصباح حتى وقت الظهر، الآن بالكاد أبيع سلتين وأحيانا أحتاج يومين من أجل بيعها".
ويتوقع مراقبون اقتصاديون أن يستمر الركود الاقتصادي خلال الأشهر المقبل في ظل تجاهل ميليشيا الحوثي المصنفة منظمة إرهابية عالمية لما يعانيه قطاع المال والاعمال واستمرارها في فرض الجبايات غير القانونية وانعدام الثقة في النظام المالي الحوثي يفاقم الوضع، حيث يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
أسباب أساسية
ويرجع الباحث والمحلل الاقتصادي، وحيد الفودعي، في حديث خاص مع "بلقيس نت" أسباب الركود الاقتصادي في مناطق سيطرة الحوثيين إلى عدة أسباب بينها؛ الإدارة الاقتصادية السيئة موضحًا أن "الجماعة تفتقر إلى الخبرات والكفاءات اللازمة لإدارة الاقتصاد. كما يتم توجيه الموارد نحو الأنشطة العسكرية، ما يعرقل التنمية الاقتصادية".
وأضاف الفودعي: "يعد الفساد أحد الأسباب الرئيسية للركود، إذ يتم نهب الموارد العامة والإيرادات لتمويل العمليات العسكرية، وهذا الوضع يؤدي إلى تدهور الخدمات الأساسية وانعدام الاستثمار في القطاعات الإنتاجية".
وتابع الفودعي: "الجبايات الحوثية بمختلف مسمياتها الجبايات القسرية والضرائب غير القانونية التي تفرضها الجماعة بمسميات مختلفة تُثقل كاهل السكان والشركات. تؤدي هذه السياسات إلى خروج رؤوس الأموال وتراجع الأنشطة الاقتصادية".
وأشار الفودعي إلى أن "العقوبات الدولية العقوبات المفروضة على القيادات الحوثية تزيد من العزلة الاقتصادية"، لافتًا إلى أن "الشركات المحلية والدولية تمتنع عن التعامل مع مناطق الحوثيين خوفًا من التبعات القانونية، مما يعوق النشاط الاقتصادي".
واعتبر الفودعي أن تدهور القطاع الزراعي والصناعي الحرب المستمرة أدت إلى تدمير البنية التحتية الزراعية والمصانع، مما أثر على القطاعات الأساسية التي يعتمد عليها السكان، لا سيما الزراعة والصناعات الصغيرة.
وأشار الفودعي إلى أن الانهيار الأمني والاجتماعي الصراعات المحلية وغياب الأمن، إلى جانب فرض الجبايات القسرية، تخلق بيئة اقتصادية طاردة للاستثمار والعمل التجاري.
ورداً على سؤال لـ"بلقيس نت" حول إمكانية استمرار الركود في مناطق ميليشيا الحوثي وأن يؤدي إلى انهيار اقتصادي كامل، قال الفودعي: "من المرجح أن يستمر الركود الاقتصادي في ظل استمرار العوامل الحالية مثل الحرب، غياب الكفاءات الإدارية، واستمرار العقوبات الدولية. كما أن انعدام الثقة في النظام المالي الحوثي يفاقم الوضع، حيث يؤدي إلى تآكل القوة الشرائية وارتفاع معدلات البطالة والفقر.
وأكد الخبير والمحلل الاقتصادي وحيد الفودعي أنه "في ظل استمرار التدهور، يواجه الاقتصاد خطر الانهيار الكامل، خاصة مع اعتماد السكان بشكل كبير على المساعدات الإنسانية"، لافتًا إلى أن "القيود التي تفرضها الجماعة على توزيع المساعدات تزيد من صعوبة تحسين الوضع الاقتصادي".
تعميق العزلة
ورأى الفودعي أن العقوبات الدولية التي تفرض على ميليشيا الحوثي وقياداتها ستؤدي ستُعمق العزلة الاقتصادية، مما يؤدي إلى تعطيل التجارة الخارجية وتقييد الوصول إلى الموارد الأساسية، فضلا عن القيود على التعاملات المصرفية الدولية وحظر وصول الحوثيين إلى الأسواق العالمية سيؤديان إلى تدهور الاقتصاد المحلي وعجزه عن تلبية احتياجات السكان.
وقال الفودعي: "رغم أن العقوبات تستهدف القيادات الحوثية لتقييد قدرتهم على تمويل الأنشطة العسكرية، إلا أنها تلقي بظلالها السلبية على المدنيين من خلال ارتفاع الأسعار ونقص السلع الأساسية".
وكان البنك الدولي توقع أن ينكمش إجمالي الناتج المحلي بنسبة 1% خلال العام الجاري 2024، بعد انخفاضه بنسبة 2% سنة 2023، ما يعني المزيد من التدهور في نصيب الفرد من إجمالي الناتج الحقيقي، لتصل نسبة الانخفاض إلى 54% منذ عام 2015.
وأكد البنك الدولي في أحدث إصدار له من تقرير "المرصد الاقتصادي لليمن"، أن الآفاق الاقتصادية التي تنتظر اقتصاد اليمن خلال العام 2025 لا تزال قاتمة، بسبب استمرار الصراع الإقليمي، والصراع الداخلي، الذي يهدد بتعميق التشرذم في البلاد، وتفاقم أزمتها على الصعيدين الاجتماعي والإنساني.