تقارير
سعي وراء سراب.. تحذيرات من هدر فرص السلام في اليمن
تستمر مشاورات البحث عن حل سياسي ينهي الحرب في اليمن، ولكن تلك المشاورات تسجل غيابا ملحوظا للأحزاب والقوى السياسية اليمنية.
في بيان صادر عن تحالف الأحزاب الوطنية، أكدت الأحزاب أن غيابها عن هذه المشاورات لن يفضي إلى سلام مستدام، بقدر ما هو سعي وراء سراب، وتشجيع لمليشيا الحوثي على التنصل من السلام الحقيقي، الذي يستعيد الدولة.
البيان أكد أيضا أن استمرار المفاوضات بمعزل عن القوى الفاعلة لن يحقق لها النجاح المطلوب، وسيهدر المزيد من فرص إنهاء الحرب وإحلال السلام.
بيان قوي من أحزاب التحالف الوطني تعليقا على مشاورات الحل السياسي.. هل هو صحوة متأخرة ستؤثر على مسار هذه المشاورات؟
- ضغوطات
يقول الصحفي والناشط في التنظيم الناصري، أحمد شوقي: "أعتقد أن البيان جاء بضغوط من بعض القوى السياسية، ربما كان على رأسها التنظيم الناصري ممثلا بأمينه العام عبدالله نعمان، الذي كان قد طرح منذ فترة -ربما أكثر من عام ونصف أو عامين- حول المشاورات".
وأضاف: "تحدث حول أن هذه المشاورات ينبغي أن تُشرَك بها السلطة الشرعية والأحزاب الممثلة فيها، التي تعتبر الحامل السياسي للسلطة الشرعية".
وأوضح أن عبدالله نعمان "طرح عدة تصريحات ذات لهجة حادة وقوية في مسألة هذه المشاورات، التي كانت ربما أغفلت دور الشرعية فيها".
وتابع: "لكن الفترة الأخيرة، ربما أن بعض الأحزاب وجدت أن هذه التسوية إذا مضت في هذا الطريق، واستبعدت القوى السياسية والقوى الفاعلة داخل المجتمع، ربما أنها لن تؤدي إلى النتيجة المرجوة منها، وهي تحقيق السلام في اليمن".
واستطرد: "شعرت الأحزاب بمسؤولية الإشارة والتحذير من خطورة مثل هذه التسويات، مع استبعاد القوى الفاعلة والحية داخل المجتمع".
وزاد: "كما يبدو، ليس فقط القوى السياسية، ولكن حتى الأطراف والأفراد والقادة الرئيسيين في بعض المؤسسات وفي بعض الجهات الفاعلة في المجتمع من خارج تكتل الأحزاب السياسية".
وأشار إلى أنهم (الأحزاب) "ليسوا مطّلعين بشكل كامل على بنود هذه الاتفاقات، وهذا ربما يُشكّل مشكلة كبيرة جدا في إمكانية أن تكون هذه التسوية فعلا قادرة على تحقيق السلام بين اليمنيين".
وبيّن أن "هذه العملية، وهذه المفاوضات جاءت لأغراض تتعلق بالخارج تحديدا، وعلى رأسه الولايات المتحدة الأمريكية، وبعض القوى الإقليمية".
- رغبة أمريكية
وقال: "الذي استجد في الموضوع هو الرغبة الأمريكية مؤخرا في إدخال الحوثيين ضمن تسوية سياسية، وتقديم تسهيلات للمليشيات لتحييدها من الدخول في صراع لصالح ما يُسمى بمحور المقاومة والمُمانعة ضد الولايات المتحدة".
وأضاف: "الحوثيون حاولوا -خلال الفترة الماضية- القيام بعدة هجمات من ضمنها الهجمات ضد السفن، وضد القوات الأمريكية مؤخرا في البحر العربي، لمحاولة الضغط والابتزاز لتحقيق شروط ومطالب كانوا يصرون عليها ويريدونها".
وأوضح: "الضغوط والتحركات الأمريكية، التي بدأت منذ الأيام الأولى لحرب غزة، جعلت القوى السياسية تستشعر بأن هناك ضغوطا أمريكية وعملا أمريكيا مستمرا، وأيضا استجابة سعودية تحت طائلة أنها ترى بأنها -خلال السنوات الماضية- كانت تخوض صراعا يكاد يكون تتحمّل أعباءه هي وحدها، أو هي والإمارات في بعض الأوقات، ولا تستجيب الدول الكبرى، بل على العكس كانت الدول الكبرى تعتبر مشكلة الحوثي هي مشكلة يمنية، وإذا زادت عن ذلك فهي مشكلة تخص السعودية والأمن السعودي، ولا علاقة لها بها".
وتابع: "اليوم الحوثي أصبح يهدد المياه الدولية، وهذه دفعت الدول التي لا تريد توسع النزاع إلى محاولة إغراء الحوثي وإقناعه".
وزاد: "القوى السياسية أصبحت تشعر بأن العملية دخلت في مرحلة الجد، وبالتالي لا بد أن تكون طرفا فيها، وهذا هو الأصل".
واستطرد: "الأحزاب السياسية اليمنية بناء على توافقها جاءت المبادرة الخليجية، وجيء بالرئيس عبد ربه منصور هادي، وما يسمى بالسلطة الشرعية لاحقا، وبناء على توافق الأحزاب السياسية، وبناء على الشرعية التي منحتها لهذه السلطة، نخوض هذه الحرب".
وأضاف: "بالتالي لا يمكن استبعاد هذه القوى السياسية والركون إلى تسويات في غرف مغلقة ومن ثم طرحها كأمر واقع على الشعب اليمني".
وقال: "لا أظن بأن الأحزاب السياسية سوف تقدم التنازلات الكبيرة لمليشيا الحوثي؛ لأنها تعرف بأن الحوثي إذا حصل تنازلات -خصوصا فيما يتعلق بموضوع السلاح وشكل نظام الحكم في البلد- سوف يؤدي إلى أن يقضى على هذه الأحزاب من قِبل الحوثي".
وأوضح أن "الحوثي يستخدم اتفاقيات وتسويات السلام فقط كعملية تكتيكية من أجل القضاء على بقية القوى السياسية والعسكرية من أجل الهيمنة على جميع البلد".
واعتبر أن "هذه الأحزاب تكتب شهادة وفاتها إذا وافقت على تقديم تنازلات عسكرية، أو تقديم تنازلات تتعلق بشكل الحكم والضمانات التي ينبغي أن تتوفر لتحقيق عملية السلام".
- مصالح واستثمار
بدوره، لا يعتقد أستاذ علم الاجتماع في جامعة صنعاء، عبدالباقي شمسان، بأن بيان الأحزاب صحوة متأخرة، لكنه متعلق بمصالح قيادات هذه الأحزاب، قائلا: "ينبغي الفصل بين القاعدة الحزبية والقيادات المتوسطة، والقيادات العليا".
وأضاف: "كان هناك -منذ فترة طويلة- قطيعة بين القيادات الحزبية، التي خرجت من اليمن وذهبت إلى دول الجوار، وربطت مصالحها مع دول الجوار، وتعتمد وتستثمر القواعد الحزبية بأن لها وجودا في الجغرافيا اليمنية لتحقيق مصالح ذاتية، وبالتالي تنازلت عن الشأن اليمني؛ بمعنى أنها تركت السعودية والإمارات وإيران تصادر الإرادة الوطنية".
وتابع: "استفادت (قيادات هذه الأحزاب) من مرتباتها وترتيب حالها في الخارج، طالما أنها تستثمر وتستفيد من التواجد الإقليمي فإنها ظلت؛ لأنها قيادات، بينما القواعد الحزبية والقيادات المتوسطة في الداخل لا تستطيع أن تعلن عن قطيعة مع تلك القيادات".
وأوضح أن "دول الخليج -شيئا فشيئا- صادرت الإرادة الوطنية من خلال إنهاء سلطة عبدربه منصور هادي، برغم أنه كان ضعيفا ومتواريا، لكن بالأخير هي أنهت السلطة التوافقية، وعينت سلطة تتقاسمها الإمارات والسعودية، ثم أوجدت في الداخل اليمني فواعل وكيانات؛ إما تتبع الإمارات أو تتبع السعودية".
وقال: "هنا أصبح لدينا فواعل في الداخل، تتبع الإقليم، وهناك الحوثيون يتبعون إيران، وهناك أحزاب سياسية قبلت أن تستفيد من البقاء في الخارج واستثماره".
وأضاف: "فعندما تضررت مصالحها الآن وأصبحت هذه الدول تتحاور مع الحوثيين ومع إيران في الشأن اليمني، وجدت هذه القيادات ذاتها أنها لا تمتلك أي قرار ولا تمثل أي إرادة".
وأوضح: "نحن أمام هذه القيادات الحزبية ذات الخلاص الفردي، وذات الاستثمار الفردي، التي وجدت نفسها أنها ستكون خارج صناعة القرار".
- تحولات كُبرى
وتابع: "نحن أمام تحولات كُبرى في المنطقة"، مشيرا إلى أن "بقاء الحوثيين وغض الطرف عن أفعالهم يندرج في إطار بقاء الفواعل غير الدولة...".
واعتبر أنه "إذا كانت هذه الأحزاب تتحدث الآن عن عملية سياسية ومقتنعة بالعملية السياسية فهي كارثة على الوطن".
وقال: "كلنا نعلم أن الحل الأول هو اجتثاث الحوثيين وإنهاء الانقلاب، وكل التجارب أمامنا في العراق ولبنان وسوريا".