تقارير
سقطرى: طقوس "التقرب بالأغنام" لنزول المطر
في جزيرة سقطرى، حيث يتناغم الإنسان مع بيئته الطبيعية بشكل فريد، تتجاوز العلاقة بين البدوي وموارده الطبيعية، خاصة الماشية، حدود الاحتياجات المادية لتصبح جزءًا لا يتجزأ من هوية الإنسان السقطري.
الأغنام في سقطرى ليست مجرد مصدر غذاء، بل هي رمز للهوية الاجتماعية والروحية، تعكس التفاعل العميق بين الإنسان وبيئته الطبيعية.
وعلى الرغم من التغيرات، التي يشهدها العالم اليوم، لا تزال بعض العادات القديمة متجذرة في حياة السقطريين؛ مثل "الدعاء بالغنم" في فترات الجفاف، مما يعكس تمسكهم بتقاليدهم الروحية والثقافية.
أحد أبناء الجزيرة تحدث عن هذه العادات قائلاً: "نحن -كأهالي سقطرى- لا نزال نتمسك بعاداتنا وتقاليدنا، التي مورست منذ الأزل، عندما تحل مصيبة، أو ينزل القحط في الجزيرة، نلجأ إلى الله بالدعاء والتضرع، ويتم ذلك عن طريق تقديم الأضاحي، حيث يخرج كل فرد من أفراد القبيلة، أو مالك الأغنام، بأحد أغنامه ويأخذه إلى مكان مخصص لتجمَّع الناس، حيث يُذبح الحيوان، وتبدأ الدعوات من كل شخص، وكل يدعو الله بأسلوبه الخاص، بلغة سقطرية محلية".
وأضاف: "هذه العادة تحمل معنًى عميقًا بالنسبة لنا، فهي ليست مجرد تقديم الأضاحي، بل هي تضرّع لله أن يرحمنا ويحفظنا من الشدائد".
وتابع: "وفي بعض الأحيان، يقوم الأشخاص ذوو الخبرة في الدعاء بقيادة هذه الطقوس، حيث يشاركوننا الدعاء بأسمائنا وبلادنا".
وأشار إلى أن "هذه التقاليد جزء من هويتنا، ونحن نحرص على الحفاظ عليها".
وأوضح: "هذه العادة لا تقتصر فقط على أوقات القحط، أو المصائب، بل تشمل أيضاً المناسبات الاجتماعية؛ مثل الأعراس، حيث يتم تقديم الأضاحي تبركا ودعاء لله بحفظ الضيوف والأهل، ويدعو الجميع الله أن يظل في رعايتنا في كل الأوقات".
- ثروة لا تقدّر بثمن
تعتبر جزيرة سقطرى واحدة من الأماكن التي تحتفظ بتقاليدها وعاداتها العميقة، التي تمزج بين الحياة اليومية والمعتقدات الروحانية.
في هذا السياق، أكد وكيل محافظة أرخبيل سقطرى عيسى بن مسلم، في حديثه لموقع "بلقيس"، أن "العلاقة بين الإنسان السقطري وماشيته هي علاقة روحانية عميقة".
وقال: "الإنسان السقطري يعتبر أغنامه من أثمن ممتلكاته، ويعاملها كما لو كانت جزءًا من عائلته، حيث قد يضطر إلى تحمل الجوع والبرد، أو حرارة الشمس من أجل راحة ماشيتهم".
وأوضح: "تعد هذه الماشية بالنسبة للسقطريين مصدر رزق أساسي، حيث يعتمد الرعي على هطول الأمطار، مما يجعل الأغنام جزءا من الدورة الطبيعية، التي يعتمد عليها السكان في حياتهم اليومية.
وأضاف بن مسلم: "هذه العلاقة لا تقتصر على تأمين الغذاء فقط، بل تمتد لتشمل مظاهر روحانية، خصوصًا في الأوقات الصعبة؛ مثل فترات الجفاف، أو تفشي الأمراض".
وتابع: "البدوي في سقطرى، في حال تعرّضت الأرض للجفاف أو تفشي الأمراض، يتقرّب إلى الله عبر ذبح أحد أغنامه، حيث يتوجّه بدعاء صادق يطلب فيه رحمة الله ومباركته".
وهذه الممارسة ليست ناتجة عن اعتقاد بقدرة الأغنام على جلب المطر، بل هي وسيلة للتعبير عن الإيمان والتقوى.
- العادات بين التمسك والتغيير
لأن العادات والتقاليد تشكِّل جزءًا أساسيًا من الهوية الثقافية لأي مجتمع، فهي تجسِّد القيم والمعتقدات التي توارثها الأفراد عبر الأجيال، في هذا السياق، يشير الباحث أحمد الرميلي إلى أن "عادة الدعاء بالغنم لا تزال تُمارس في بعض مناطق سقطرى، رغم التحدِّيات التي تواجهها الجزيرة في الوقت الراهن.
وقال الرميلي، لـموقع "بلقيس": "هذه العادة ترتبط ارتباطا وثيقا بالتراث السقطري، وتمثل أسلوبا تقليديا في التضرع إلى الله في أوقات الشدة؛ مثل الجفاف، أو المرض، أو المصائب".
وأوضح: "سكان سقطرى لا يزالون يمارسون هذه الطقوس في بعض المناطق النائية، خصوصًا في الأودية الجبلية، حيث يواصلون الحفاظ على هذه العادة كما كانت عليه في الماضي".
وأشار الرميلي إلى أن "بعض رجال الدين وطلاب العلم الشرعيين حاولوا توعية المجتمع لرفض هذه العادة؛ باعتبارها من البدع، لكنها لا تزال منتشرة في بعض المناطق".
ولفت إلى أن "هذه العادة لا تزال جزءًا من الهوية الثقافية للسكان، وينتظر أن تنقل للأجيال القادمة كما كانت في الماضي".
- طقوس قديمة في مواجهة الجفاف
وفي سياق التقاليد المتجذرة في سقطرى، تحدث "أسعد" -أحد مواطني الجزيرة- عن عادة قديمة كانت سائدة في فترات القحط والجفاف، قائلا: "كانت هذه العادة تُمارس في جميع مناطق سقطرى، حيث يجتمع الناس ويأخذون أغنامهم إلى مكان خاص، يتوجّهون بالدعاء طلبا للمطر".
وأضاف: "هذه الطقوس، التي يقوم فيها أحد كبار القوم أو الفقهاء بالدعاء، كانت تشمل طلبات للمطر، وطلب النجاة من البلاء والمصائب، التي قد تعصف بالمنطقة".
لكن، وفقًا للمواطن، "بدأت هذه العادة تختفي تدريجيًا مع التغيرات الحديثة، رغم أن بعض كبار السن في المناطق الريفية ما زالوا يحافظون عليها في فترات القحط".
وأكد المواطن، لموقع "بلقيس": "هذه العادة تمثل جزءًا مهمًا من التراث الثقافي والديني لسقطرى".
وقال: "آمل أن تُحفظ هذه العادات القديمة، وتُورَث للأجيال القادمة؛ كونها جزءًا من هوية سقطرى الثقافية".
بينما يتغيَّر الزمن، وتتكشف التحدِّيات الحديثة أمام سقطرى، تبقى العلاقة بين الإنسان السقطري وماشيته جزءا أساسيا من الحياة اليومية.
وعلى الرغم من التأثيرات الثقافية، تظل بعض العادات القديمة؛ مثل "الدعاء بالغنم"، حيَّة في قلوب الكثير من السقطريين، ما يعكس تمسكهم العميق بهويتهم الثقافية والروحية، وهو ما يبعث فيهم الأمل في استمرار هذه التقاليد وحفظها للأجيال القادمة.