تقارير
سوق سوداء في الانتظار.. أزمة المشتقات النفطية في مناطق الحوثيين تثير قلق المواطنين
ما يزال الوضع التمويني الهش للمشتقات النفطية في المحافظات الخاضعة لسيطرة مليشيا الحوثي مثيرًا لقلق المواطنين، لاسيما مع استمرار التهديدات من قبل إسرائيل بالعودة إلى استهداف موانئ البحر الأحمر، التي تمثل الشريان الرئيسي لاستيراد المشتقات النفطية وكافة السلع الغذائية.
وعلى خلفية قصف الطيران الأمريكي لميناء رأس عيسى، المخصص لاستيراد المشتقات النفطية، في 18 أبريل الماضي بتسع غارات أخرجته عن الخدمة، وما تلاه من استهداف الطيران الإسرائيلي لميناء الحديدة في الخامس من مايو، بحجة حرمان الحوثيين من مورد اقتصادي هام، والحد من تدفق السلاح من إيران، عاد شبح أزمة المشتقات النفطية، واستحوذ على تفكير الناس في كيفية توفير البنزين والديزل والغاز المنزلي وتأمينها.
خطة الطوارئ
في لحظات معدودة عقب القصف الإسرائيلي لميناء الحديدة، أغلقت بعض محطات بيع المشتقات النفطية أبوابها، وظهرت أمام البعض الآخر طوابير طويلة من السيارات التي يسعى مالكوها إلى الحصول على حصة من الوقود قبل نفادها.
“حميد الخباني”، واحد من مالكي السيارات الذين هرعوا في الليل إلى محطة الوقود بعد اتصالات من زملائه الذين أخبروه بدخول البلاد في أزمة وقود جديدة، ليقضي أكثر من 8 ساعات حتى وصل إلى المحطة، حد قوله.
يقول الخباني: شركة النفط اليمنية ساهمت في إثارة مخاوف الناس عند إعلانها تفعيل خطة الطوارئ التي كانت تنفذها أوقات الأزمات في السابق، والتي تتضمن فتح عدد محدود من المحطات البترولية في العاصمة صنعاء والمحافظات الخاضعة لسيطرة الحوثيين، وترقيم السيارات، وإنزال كشوفات يومية بأسماء المحطات التي ستعمل منذ السادسة صباحًا وحتى السادسة مساء، علاوة على تخصيص كمية 40 لترًا فقط لكل سيارة، و10 لترات للدراجات النارية.
ومع ظهور أزمة الوقود مطلع مايو الماضي، بدأت الأسواق السوداء تعود إلى الواجهة، وتظهر تدريجيًا قناني المياه المعدنية والجالونات الصفراء على واجهات الشوارع، لتعيد للناس ذكرى معاناة طويلة لم يمر عليها كثير من الوقت.
تجهيزات السوق السوداء
على الرغم من أن الاتفاق بين الولايات المتحدة الأمريكية ومليشيا الحوثي على وقف التصعيد، ووقف الهجمات الأمريكية مقابل توقف الحوثيين عن مهاجمة السفن، جعل الطوابير على المحطات تختفي، ويعود الوضع إلى طبيعته، إلا أن دخول إسرائيل خط الهجمات على موانئ الحديدة، وتحذيراتها المستمرة، جعل الناس يعيشون حالة من الترقب، كما جعل تجار السوق السوداء يستعدون لعودتها، كما يقول عبدالله الحبيشي.
الحبيشي، الذي يعمل ببيع الخضروات على سيارته “الهيلوكس” منذ سنوات طويلة، لا يخفي تلهفه لعودة أزمة المشتقات النفطية، التي يجني منها أضعاف ما يربحه من تجارة الخضروات التي يسميها “مهنة الفقر”.
ويؤكد الحبيشي أن كثيرًا من تجار السوق السوداء أخبروه أنهم يخزنون كميات متفاوتة من المشتقات النفطية استعدادًا لعودة الأزمة، ويرى أن تجارة البترول في السوق السوداء تمثل مصدر دخل وفير لسلسلة طويلة من المنتفعين، تبدأ بمالكي محطات الوقود وسماسرتهم، وصولًا إلى التجار الصغار الذين يعرضون بضائعهم على الشوارع مثله.
ويوضح الحبيشي أن مالكي المحطات، على الرغم من أنهم أكبر تجار السوق السوداء، إلا أن هناك طرقًا أخرى للحصول على المشتقات النفطية، كبعض مالكي معارض السيارات الذين يُعدّون أحد أبرز المساهمين في الأزمات، حيث يُخرجون عشرات السيارات إلى الطوابير للحصول على الوقود، ثم تفريغه وبيعه في السوق السوداء عن طريق عمالهم أو ببيعه لتجار آخرين، علاوة على مالكي السيارات، وخاصة الأجرة، الذين يستخدمون الطريقة ذاتها للتكسب، بدلًا من البحث عن عمل يستنفد المخزون بلا فائدة.
تجارة الظل
التطمينات التي تطلقها شركة النفط التابعة للحوثيين لم تُلغِ الاستعدادات لعودة السوق السوداء التي يتحدث عنها الحبيشي، ويؤكدها “القطواني”، الذي يعمل في إحدى محطات الوقود شمال العاصمة، إذ يعتقد أن تجار النفط يتوقعون أزمة وقود، ويضعون في اعتبارهم عودة السوق السوداء التي يجنون منها أرباحًا مضاعفة.
ويكشف القطواني أن كثيرًا من مالكي المحطات لديهم “أحواش” كبيرة يستخدمونها كمواقف للقاطرات، ويضعون فيها خزانات وقود احتياطية يستخدمونها في أوقات الأزمات، حيث تقوم القاطرات بتفريغ جزء من حمولتها في محطات الوقود الرسمية، بينما تُبقي جزءًا آخر لتفريغه في خزانات الأحواش وبيعه عبر سماسرة في السوق السوداء، بما يشبه تجارة الظل.