تقارير
لماذا تغيب الحكومة في ظل تشظي الموارد واتساع رقعة الفساد؟
يحتل اليمن مركزًا متقدمًا بين الدول الأكثر فسادًا في العالم، وفقًا لمؤشر مدركات الفساد لعام 2024 الصادر عن منظمة الشفافية الدولية. ويعود ذلك إلى جملة من العوامل، أبرزها عمل الحكومة بدون موازنة عامة طوال سنوات الحرب، وتعطيل الأجهزة الرقابية، إلى جانب تشتت الإيرادات، حيث لم تعد تجد طريقها إلى البنك المركزي، بل تحوّلت إلى حسابات في بنوك تجارية وأخرى خارج البلاد، وسط انقسام حاد داخل مكونات الشرعية.
في المقابل، تواصل ميليشيا الحوثي نهب الموارد المالية وتوجيهها لبناء اقتصادها الموازي، دون توفير الخدمات أو دفع رواتب الموظفين، بالتزامن مع شنها حربًا اقتصادية ضد الحكومة. والنتيجة هي دخول الاقتصاد اليمني مرحلة حرجة، في ظل تدهور مستمر للعملة الوطنية، ما ينعكس بشكل مباشر على الأوضاع المعيشية للمواطنين.
مرحلة طارئة
يرى المحلل السياسي فارس البيل أن تصنيف اليمن ضمن الدول الأكثر فسادًا ليس مفاجئًا، لكنه مؤلم، إذ يعكس حالة استثنائية تمر بها البلاد، مع تفشي الفساد في مؤسسات الدولة، رغم أن بعضها لم يعد قائمًا فعليًا.
ويضيف: “الوضع الراهن لا يعفي من ضرورة تصحيح مسارات الفساد، لكن هذه التقييمات تعتمد على معايير تُطبَّق في فترات الاستقرار، بينما اليمن يعيش انهيارًا مؤسسيًا. ومع ذلك، لا نحتاج إلى تقارير دولية لإدراك حجم الفساد، فهو واضح للجميع.”
ويشير البيل إلى أن الدولة بحاجة إلى إعادة هيكلة مؤسساتها، خاصة في ظل غياب معايير التقييم والمحاسبة، لافتًا إلى أن هناك جهودًا لاستعادة بعض هياكل السلطة القضائية خلال العام الماضي، حيث بدأت بعض ملفات الفساد تُحال إلى التحقيق، وهي خطوة أولى لكنها غير كافية.
إصلاح غائب وقرارات بلا أثر
من جانبه، يؤكد الخبير الاقتصادي رشيد الأنسي أن الحكومة لا تزال تتلكأ في تنفيذ الإصلاحات الاقتصادية والإدارية، مشيرًا إلى أن الوضع لم يشهد أي تحسن حقيقي حتى الآن.
ويضيف: “في ظل تفشي الفساد والانهيار الإداري لمؤسسات الشرعية، لا يمكن توقع تحسن الاقتصاد أو استقرار العملة. فالعملة الوطنية جزء من منظومة اقتصادية متكاملة، وعندما تكون المؤسسات معطلة، لا يمكن إنقاذها بإجراءات سطحية.”
وينتقد الأنسي غياب القرارات الفاعلة منذ تجميد إجراءات البنك المركزي، قائلًا: “لم تتخذ الحكومة أي خطوات إصلاحية حقيقية، وكل ما يُعلن عنه من جهود لمكافحة الفساد أو تشكيلات حكومية جديدة ليس أكثر من أخبار إعلامية بلا أثر ملموس.”
ويختم بقوله: “معظم قيادات الدولة، من وزراء ومدراء ورؤساء مؤسسات، غير متواجدين في أماكن أعمالهم، فكيف يمكن لدولة بهذه الحال أن تواجه الفساد أو تحقق أي إصلاح اقتصادي؟”