منوعات
سوق الجنابي في اليمن .. خسائر وركود تحجب بريق الهوية
قرار بيع الجنبية ليس بالقرار السهل على الانسان اليمني الذي يعتبرها جزء من حياته وموروثه الحضاري والأسري ورمزا للعائلة التي تتناقلها من الأبناء الى الاحفاد عبر مئات السنين لكن في سنوات الحرب التي قضت على كل مدخرات الأسر وصل البعض الى التنازل عنها من أجل البقاء، والحفاظ على العائلة.
فاروق الحبشي، واحدا من الذي اجبرتهم الظروف على اللجوء للتفكير في بيع جنبية الأسرة بعد أن وجد نفسه في دائرة مغلقة من البطالة والفقر فيما تمضي سنوات عمره قبل أن يتمكن من الزواج أو تأسيس حياته الخاصة.
يقول الحبشي: "عندما فكرت ببيع الجنبية التي ورثتها الأسرة عن الوالد للمساهمة في شراء فيزة عمل إلى المملكة العربية السعودية، عرفت أني سأجد معارضة كبيرة وصعوبة في اقناع بقية إخوتي لكن بفضل الله وافقوا تعاونا معي، وتقديرا لظروفي".
ويضيف: "لم يكن من السهل علي بيعها لأني أجد فيها رائحة أبي الذي كان يحبها كثيرا، واحسست أني سوف أفارق جزء من روحي لكن الظروف كانت أقوى مني".
خسارة البيع
لم يكن اقناع الأسرة ببيع الجنبية إلا بداية لمشوار "الحبشي" الطويل مع محاولات البيع المتكررة، والتردد على أسواق الجنابي في صنعاء القديمة للحصول على سعر مناسب لجنبية يصل سعرها الحقيقي إلى مليون ونصف ريال يمني -ما يقارب "2800" دولار أمريكي- بينما لم يعطي التجار سوى ما بين 400 ألف إلى 500 ألف ريال يمني فقط.
وخلال جولة في سوق الجنابي بصنعاء القديمة، أكد التجار أن تجارة الجنابي تمر بمرحلة ركود كبير، وتراجعت أسعارها في السنوات الأخيرة مما جعل العاملين فيها يتكبدون خسائر فادحة.
يقول التاجر أمين العزيري في حديثه لـ"بلقيس" أنه اشترى مجموعة من الجنابي بما يقارب 14 مليون ريال يمني لكن مع توقف حركة سوق لم يستطع بيعها سوى بنصف ثمنها.
وينصح العزيري بعدم بيع الجنابي في الوقت الراهن إلا إذا كان الشخص مضطر، والتريث بينما ينتعش الشوق مرة أخرى، ويحصل المالك على سعر منصف.
تاريخ ضارب بالقدم
الجنبية ليست مجرد سلاح شخصي أو تقتصر على الزينة لكنها في الأعراف القبلية ترمز إلى الرجولة والقوة والموروث الحضاري والأسري، وتعبر عن اعتزاز اليمني بهويته وتراثه.
وبحسب المركز الوطني للمعلومات، يعود ظهور صناعة الجنابي ولبسها إلى عام 3000 قبل الميلاد، حيث ارتداها السبئيون أيام الدولة الحميرية كما يؤكد تمثال الملك 'معد يكرب'، كما زينت النقود الحميرية بمقابض الخنجر اليمني القديم.
وتتنوع الجنابي بين الصيفاني المصنوع من قرن وحيد القرن، والكرك الذي يصنع من قرون الجواميس، والزراف والمصوعي وغيره إلا ان الجنبية الصيفاني تعد الاغلى سعرا نظرا لندرة وجود قرون وحيد القرن وتحريم اصطياده، كما يؤكد العزيري.
ويرى العزيري، أن تسمية الجنبية جاء لأنها توضع وتحزم على الجنب بشكلها الهلالي وحزامها الفضي في الغالب والذي فتح الباب لكثير من الأسر للعمل في حياكته والتجارة فيه.
مؤخرا دخلت الجنبية الصينية إلى السوق بسعرها الرخيص، وعلى الرغم أنها لم تستطع المنافسة نظرا لطريقة صناعتها ورخص ثمنها إلا أن كثير من الناس اتجهوا الى شرائها ولباسها نظرا لشكلها الذي يشبه الجنبية الصيفاني، وتحاشي حوادث السرقة.
شغف لا ينتهي
كما قضت الحرب في اليمن على كثير من الطقوس والتراث نتيجة لانشغال الناس بتوفير الأشياء الأساسية، والتخلي عن كل مظاهر الترف، ألقت بظلالها على تجارة الجنابي التي تعد من أبرز مظاهر الموروث الحضاري في كافة ربوع اليمن، وجعلت الحفاظ على الجنبية أكثر صعوبة أمام خيار البقاء والاستمرار بالحياة.
باع "الحبشي" جنبية العائلة التي لم تغطي ثمن الفيزا إلى جانب مقتنيات عائلية أخرى للسفر في رحلة نحو المجهول بحثا عن إمكانية الحصول على حياة أخرى، يعيش فيها بكرامة واكتفاء ذاتي، إلا أنه ما يزال بالحسرة على فقدانها.
وقد يتنازل اليمني عن الجنبية لنتيجة الظروف القاهرة لكن شغف اقتنائها ولبسها يظل متوقدا بداخله، ورغبة امتلاكها ما تزال ثقافة يتوارثها الأجيال.