منوعات
لحج.. معلم يجمع الموروث القديم في منزله منذ 3 عقود
في منزله الكائن بكدمة الشعيبي في ضواحي منطقة الوهط بمديرية تُبن في محافظة لحج، يجمع الأستاذ التربوي سالم يوسف (53 عاما) العديد من المقتنيات والموروثات القديمة، التي عمل طيلة الثلاثين السنة الماضية على جمعها من مختلف تلك الأصناف كبادرة فريدة هي الأولى في محافظة لحج في هذا السياق.
لم يكن اهتمام سالم بن سالم يوسف بجمع الثراث وليد اللحظة، ولكنه بدأ باكرا عندما كان يدرس في المرحلة الثانوية في ثمانينات القرن الماضي، حيث كان يهتم بقراءة التاريخ والأدب، والاستماع للمذياع في أغلب أحيانه؛ ليتولد عنده شغف البحث في الموروثات الشعبية، وجمعها من مناطق محافظة لحج.
يوضح بن يوسف أنه بدأ بجمع الموروثات في العام 1990، حيث كشفت عوامل التعرية عن العديد من الموروثات، التي كانت طمرتها الأتربة، فقام بنقلها وأبلغ حينها مكتب الآثار في لحج بها، وقام بتسليمه بعضا من تلك السيوف والخوص والعملات القديمة، وقد حصل على استلام بتلك المقتنيات.
في تلك الحقبة، لم يكن بن يوسف موظفا حكوميا، وكان خريجا من المرحلة الثانوية، حيث حصل على وعود بتوظيفه نظير تلك الجهود بوظيفة حكومية، ولكن ظل -على مدى ثلاث سنوات- يتردد على مكتب الخدمة المدنية إلى أن تمكن من الحصول على وظيفة مدرس في مكتب التربية والتعليم، حيث تم توظيفه في منطقة نائية في منطقة السبيل في مديرية المضاربة (150 كيلو مترا غرب لحج). قضى هناك عاما كاملا في تلك المدرسة، وحين عاد في الإجازة إلى مسقط رأسه، اندلعت حرب 1994، ولم يستطع العودة بعدها فتم نقله إلى منطقة "جعولة" في ريف منطقة الوهط، التي تبعد عن منزله "5 كيلو مترات"، حيث لا يزال مدرسا في تلك المدرسة حتى اللحظة.
في غرفة تقدّر مساحتها ثلاثة أمتار في خمسة أمتار؛ خصصها سالم يوسف لحفظ ما جمعه من العشرات من المقتنيات الأثرية، ناهيك عن جمعه لمئات من الكتب الفنية والأدبية والتاريخية والعملات النقدية في غرفة مجاورة لها.
يقول سالم يوسف إنه قام بجمع هذه الموروثات والمقتنيات من خلال العثور عليها أثناء البحث عنها في الأماكن التي طمرتها الأتربة في ضواحي "كدمة القريشي"، التي كانت تختزن الآثار القديمة قبل أن يتم طمسها مثلها مثل بعض القباب، التي تعرضت للتدمير في منطقة الوهط، فيما تحصل على البعض الآخر من الزملاء، والبعض قام بشرائها، أما قيثارة الفن فتحصل عليها من الفنان المعروف أحمد فضل ناصر ولا زال محتفظا بها حتى الآن.
وأضاف: "تحتوي الغرفة على موروثات كانت لحفظ الطعام وحفظ الماء، بالإضافة إلى مقتنيات، كان قديما يتم فيه طبخ اللحم والنوم، وبعض السيوف والجنابي وبعض الأدوات الفنية والفوانيس والمصابيح القديمة، بالإضافة إلى الأجهزة الفنية القديمة كالمذياع وأدوات التسجيل القديمة وآلات الفن، وبعض العملات النقدية القديمة".
كانت الغرفة، التي خصصها بن يوسف لحفظ هذه الموروثات، قبلة للعديد من الزوّار من الأكاديميين والباحثين والمثقفين والجهات المسؤولة، وكانت زيارتهم حين يطوفون بتلك الموروثات والمقتنيات القديمة تنال الإعجاب والاندهاش، وفق سالم.
يستدرك سالم بالقول إنه قدم عددا من المطالبات للجهات الرسمية بالعمل على حفظ هذا الموروث، الذي ظل يجمعها لأكثر من ثلاثين عاما؛ فكان رد الجهات المسؤولة أن إمكاناتها شحيحة، وليس لديها الإمكانات لحفظ هذه الموروثات؛ كون بعض الموروثات قد اختفت جراء الإهمال، وعدم وعي البعض بأهمية هذه الموروثات".
ويمضي سالم في حديثه قائلا: "أريد حفظ هذه الموروثات قبل أن أغادر الحياة، أريد أن أوصل صوتي لمن لديه ضمير بالحفاظ على هذه الآثار التاريخية، التي تشكل جزءا من حياتنا".
وأضاف: "عملت على الحفاظ عليها أيام الحرب، ولم أنزح من المنطقة؛ حبا في الحفاظ عليها، وكان الأمل أن يتم الالتفات لهذه الموروث عقب توقف الحرب".
وتابع: "ولكن ما حصل كان صادما وصار الخوف يحيطني في فقدان هذه المقتنيات والموروثات، خاصة وقد فُقد بعض منها كالسيوف"، وأشار إلى أن "بعضها مثل الخوص والعزف تحتاج إلى عناية واهتمام خاص ومتواصل".
ويطمح سالم، الذي يعمل معلما لمادة التاريخ في مدرسة جعولة، حيث يقضي غالبية وقته في ترتيب تلك الموروثات وتنظيمها"، في نقل هذه الموروثات وترتيبها في مكان خاص ومُحكم؛ حفاظا على الجهد والوقت الذي بذله، وفي الوقت ذاته لنقل هذه الموروثات إلى الجيل القادم؛ ليتعرف على موروثات آبائه وأجداده.