مقالات

المعابر خطوة نحو العقل!

14/06/2024, 16:22:50

عشر سنوات بالضبط، وعشرون عيداً، ومئات من الأصدقاء وأقارب من الدرجة الأولى، الذين رحلوا ولم نتمكن من إلقاء نظرة وداع أخيرة على وجوههم الحبيبة إلى قلوبنا.

وهناك  مئات الشهور من انقطاع المرتبات، وسنوات ضوئية على فِراق الأحبة، وهو عُمر بحجم المشاعر والأحاسيس، التي يتم العبث بها، وتمزيق أوصال اليمنيين وأفئدتهم، وتحطيمها على كانتونات الحصار المريع، الذي يضرب في كل اتجاهات الوطن اليمني شرقاً وغرباً شمالاً وجنوباً.

سؤال كبير يبرز: ما جدوى كل هذا الحصار والتمزيق الذي كان ومازال معظمه؟
منذ أيام، واليمنيون يحزمون حقائب السفر، ويستعدون بعصا الترحال لقضاء أيام العيد في مسقط رؤوسهم، وزيارة أحبائهم، وتكحيل عيونهم بكل ما فقدوه خلف الجبال المطلة، والوقت يمرُّ بطيئاً رتيباً مملاً أمام آلاف السيارات المختلفة بركابها؛ بانتظار بزوغ الفجر، أو الساعة السادسة صباحاً بانتظار العبور إلى الطرف الآخر، الذي ظل الناس يقطعونه بثماني ساعات ليقطعوه بعشر دقائق، ولكن "ما كلُّ ما يشتهي الناس تدركه تجري الرياح بما لا تشتهي مواكب العائدين المسافرين".

السفر راحة للقلب، وليس معاناة وانتظار، لا شيء أسوأ في حياة كل الناس من الانتظار... هذا ما يحدث اليوم في الحوبان بالضبط، ستبرز الكثير من المنغصات، لكنها ليست بحجم ما كان، ولكن ما هو كائن مليء بالآلام والحسرة.

العيد عندما يأتي فلا يذهب إلاَّ وقد سرق عاماً من أعمارنا، فمن سيعيد كل تلك الأعياد التي سُلبَتْ من الناس بكل خفة طوال السنوات الماضية؟!

أصبح اليمنيون اليوم يتواعدون من كل المدن اليمنية مع أحبائهم في شتى البقاع على اللقاء أيام العيد في قراهم وأريافهم بشكل لم يسبق له مثيل في تاريخ السفر وعصار الترحال.

ينبغي على تجار الحروب والجبايات أن يفتحوا الطرق دون شرط أو قيد من جميع الأطراف، وهم يرون ما يحدث في الحوبان من زحام وحنين الناس إلى معانقة الأهل والأحبة والأقارب والأرض، والجلوس في برد الظل والشواجب، وتأمل شمس المغارب في الأرياف مع من يحبون.

رحلة أو سفر جاء على غير ميعاد، وفي توافق غريب وجميل بين الفرقاء، جعل الناس يجدون أنفسهم أمام حقيقة واحدة وهي عودة الحياة إلى قلوبهم التي كادت تموت من اليأس والهرم، فكيف لو انفتحت كل الطرق وعادت الحياة إلى كل أوصال اليمن المشلولة في كل اتجاه؟ هذا تساؤل جميل، وأمل لطالما علل اليمنيون أنفسهم به.

هل ستغيِّر هذه الحشود العظيمة من المسافرين قرارات فتح المعبر ل24 ساعة بدلاً من ال12 ساعة المتفق عليها، وخاصة أننا بدأنا نسمع أن بعض المسافرين بدأوا يتجهون عبر خط الأقروض بسبب الزحام الرهيب، والانتظار الطويل الذي شق على أطفال ونساء المسافرين وعوائلهم؟

هل توجد بوادر حسن النية عند الطرفين لتحسين شروط العبور؟
هذا ماستخبرنا به الأيام  القادمة...!!

لا شك أن هناك الكثير من الأمور والقضايا المرتبطة بالانقسام النقدي والجمركي وغيره ستطفو على السطح، وسنرى كيف سيتم التعامل معها؛ لأننا مازلنا في أيام العسل الأولى، التي نأمل من الله أن تطول، وتمتد، وتتحسن لما فيه مصلحة وخير اليمنيين جميعاً.

كان السفر حلماً كبيراً، واليوم أصبح علماً، بصرف النظر عما كان، وينبغي التمسك بالتحرر من الماضي، والتوجه نحو المستقبل؛ لأننا إذا بقينا نوجه أفواه مسدساتنا  للماضي فإن مدافع المستقبل لن ترحمنا.

مازالت تلك الليلة ماثلةً أمامي لا أنساها أبداً..
كانت ليلة عيد الأضحى قبل أحد عشر عاماً  بالضبط...
صحوت بعد منتصف الليل
غادرت البيت ووقفت في الخارج
كانت السماء صافية
والقمر يرسل أشعته الفضية على الحياة والأحياء
وكانت القرية ومن حولها الأرض والتلال والجبال
مكسوة بالخضرة والسحر الربَّاني
وجدتُ نفسي...
بل نسيت نفسي في الجنّة
ولم أغمض جفني من هول جمال تلك الليلة المفعمة
وطوال التسع السنوات من الحصار
بقيت أبكي بصمت
حتى لا يقال إنني جبان..
لقد كنتُ جباناً أمام كل ذلك الجمال وكل أنواع الحصار
على أمل أن أعيش ليلة أخرى من ليالي الجنة..
وها هي في متناول الجميع..

مقالات

ذكرى إعدام الماكر

أعدم علي عبدالله صالح في صنعاء وطويت حقبة رجل اختصمنا معه صحيح؛ لكن لم نكن نتمنى له تلك الخاتمة وعلى أيدي توافه البشرية..

مقالات

أبو الروتي ( 10)

في أول يومٍ أذهبُ فيه إلى المدرسة (المعهد العلمي الإسلامي).. وفيما كنتُ أعبرُ بجوار السوق المركزي، وانعطفُ يساراً باتجاه "مدرسة السّيْلة" الابتدائية، شاهدت خمسة أطفالٍ شياطين يخرجون من الشارع الموازي للسوق المركزي؛ أربعة منهم بنفس عمري، وخامسهم أكبر مني، ومن أصحابه الأربعة، وكانوا جميعهم يشترون الرّوتي من فُرن الحاج، ويرونني هناك، لكن كبيرهم كان أول من لفت انتباههم إلى وجودي، وأول من صاح قائلا، وهو يشير إليَّ:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.