مقالات

اليمن عصيةٌ على الفهم أمام الخُرافة؟

06/07/2023, 19:07:48

يصعب كثيراً الخوض في غمار هذا العنوان الطائش والدقيق في آن واحد معاً، كانت اليمن أول بلد في الخلافة الإسلامية زمن بداية الدولة العباسية تتعرَّض للتفكك والخروج من العباءة العباسية لطبيعة هذا الشعب، ولعنة الجغرافيا التي ظلت ترسم مآلات هذي البلاد الكثيرة القلاقل، التي ما برحت عواصم للأسى والويلات فيها تقوم عاصمة، وتسقط أخرى في لعبة تاريخية عجيبة لم يشهد لها العالم العربي تحديداً مثالاً ولا مثيلاً، وتتنقل عواصمها بين أهم المدن من زبيد إلى صنعاء إلى تعز إلى عدن إلى حضرموت، ولم تستقر على حال، وكل الدول التي قامت كانت لها مذاهب متناقضة عما قبلها، وعما بعدها، ومختلفة كلياً أو جزئياً، وكانت تمر فترات تاريخية، وتعود اليمن إلى ما كانت عليه من تعايش سلمي بين كل الفئات الاجتماعية، ولعلَّ هذي أبرز النقاط التاريخية التي خرج بها المؤرخون والشعراء.

وفي زمن الإمام محمد علي الشوكاني، كانت صنعاء وما حولها متشيعة كلياً  وعن بكرة أبيها، لكن الشوكاني رغم سنيَّته وجد له فيها متسعاً من حيث المذهب والتأليف والمناصب المتعددة، وكانت مصداقيَّته حتى بالشهادة لمخالفيه في المذهب، قال الشيخ محمد بن علي الشوكاني عن الشاعر حسن جابر الهبل: "كان قوي القريحة؛ صافي اللغة؛ حسن الديباجة، يقول الغزل العفيف والمديح الشريف المنيف، كان أقرب الناس لي جاراً، وأبعدهم عني مذهباً؛ ولو كان ما بيننا من التجاور كالذي بين المذهبين لتقاربنا إلى الالتصاق، إن قريته تداني قريتنا حتى يسمع أهلها صياح الديك من قريتنا في الأسحار، كما يسمع الديك من قريتهم أوضح؛ ولا سيما في الهدأة الليلية، فهل القرب سبب البُعد مذهبياً يغفر الله له؛ لقد شعر وأجاد"،


وعندما بلغ الشوكاني مبلغ الرجال انتقل إلى صنعاء فكابد فيها ما كابد من تشيّع العامة، ومن انتشار خبر سُنِّيته، فهل كان أناس القرن التاسع عشر في اليمن ينقسمون إلى سنة وشيعة على هذه الصفة العدائية، التي تظهر جلياً في القلوب اليوم؟

أما ما نستخلصه اليوم فهو أن طرفاً واحداً سنحت له فرصة تاريخية يريد أن يحكم بها الجميع، سواءً كانت ظروفا سياسية أو خرافة دينية أو غباء إقليميا، أو ليسمها كلٌ ما يشاء، لكنها بحق هي أشبه ما تكون بخرافة سيِّد القردة:
وقد وردت في كثير من الأدبيات السياسية تحت مسمى "جو غونغ"، وهي تكاد تطابق ما يعتمل في اليمن اليوم من الخرافة الكبرى، أو أسطورة الولاية التي يحاولون إخراجها كحفنة ماء من بين أصابع علي الموصوف كذباً بعلي أبو المساكين وأبو تراب.
يورد "جين شارب"، المؤلف الأمريكي الذي صار ماركة مسجلة في 'المقاومة غير العنيفة'، حكاية صينية من القرن الرابع عشر تدلُّ على الخُدَعْ التي يستخدمُها الحُكَّام المستبدّون في إخضاع شعوبهم.

وها هي الحكاية:
كان هناك رجل عجوز يعيش في ولاية "تشو" الإقطاعية، وقد استطاع هذا الرجل البقاء على قيد الحياة من خلال احتفاظه بقردة لخدمته، وكان أهالي "تشو" يسمونه "جو غونغ" أي "سيد القردة"، كان الرجلُ العجوزُ يخرج من كهفه كل صباح و يجمع القِّرَدة في "ساحته الإمامية أو الأمامية"، ويأمر أكبرها أن يقودها إلى الجبال لجمع الفاكهة (الجبايات، الضرائب، السوق السوداء، الجمارك، السوق السوداء، المرتبات... الخ) من الأجمة والأشجار. وكان (سيد القردة) يفرض على قِردته الكادحة شرطاً، وهو أن يقدِّم كل قرد له عُشر ما جمع، وهو أشبه ما يكون بنظام الخُمس بالضبط، ويعاقب كلَّ قرد لم يفعل بجلده (وخلس ظهره من دون رحمة)، كانت معاناة القرود عظيمة، ولكنها لم تجرؤ على الشكوى.

وفي يوم من الأيام، سأل قردٌ صغير القرود الأخرى قائلاً: هل زرع الرجل الهَرِمْ جميع أشجار الفاكهة؟ فأجابوه: كلا، إنَّها تنمو وحدها، ثم تساءل القرد الصغير، فقال: ألا نستطيع أن نأخذ الفاكهة من دون إذن الرجل العجوز؟ فأجابوه: نعم نستطيع. فقال القرد الصغير مستنبطاً حكمة من واقع الحال لم تخطر على بال القردة الكبار: لماذا يتوجب علينا، إذاً، خدمة الرجل العجوز؟
فهمت القردة جميعها ما كان يرمي إليه القرد الصغير حتى قبلْ إن ينهي جملته، وفي الليلة نفسها عندما غطَّ الرجل العجوز في سبات عميق قامت القردة بتمزيق قضبان أقفاصها، واستولت على الفاكهة التي كان 'سيدها' قد خزَّنها، وأخذتها إلى الغابة، لم تعد القردة إلى الرجل العجوز بعد ذلك أبداً، وفي النهاية مات جوعاً!

يقول 'يو لي زي' -صاحب الحكاية الأصلي- في تفسيره لها: 'يحكم بعض الرجال شعوبهم باتباع الخدع، لا المبادئ الأخلاقية، هؤلاء الحكام يشبهون "سيد القردة"، فهم لا يعون أنه في اللحظة التي يدرك فيها الناس أمرهم ينتهي مفعول خدعهم'.
ولكن -للأسف الشديد- في اليمن الجميع يدرك ذلك، ولكنهم لا يملكون إرادة القردة!!!

مقالات

ذكرى إعدام الماكر

أعدم علي عبدالله صالح في صنعاء وطويت حقبة رجل اختصمنا معه صحيح؛ لكن لم نكن نتمنى له تلك الخاتمة وعلى أيدي توافه البشرية..

مقالات

أبو الروتي ( 10)

في أول يومٍ أذهبُ فيه إلى المدرسة (المعهد العلمي الإسلامي).. وفيما كنتُ أعبرُ بجوار السوق المركزي، وانعطفُ يساراً باتجاه "مدرسة السّيْلة" الابتدائية، شاهدت خمسة أطفالٍ شياطين يخرجون من الشارع الموازي للسوق المركزي؛ أربعة منهم بنفس عمري، وخامسهم أكبر مني، ومن أصحابه الأربعة، وكانوا جميعهم يشترون الرّوتي من فُرن الحاج، ويرونني هناك، لكن كبيرهم كان أول من لفت انتباههم إلى وجودي، وأول من صاح قائلا، وهو يشير إليَّ:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.