مقالات

حرب المال.. المعركة المؤجلة بين الشرعية والسلالة

15/07/2024, 08:01:23

كل حرب بين أي طرفين في العالم هدفها النهائي هو المال؛ مهما كانت الشعارات المرفوعة، ومهما تشابكت الغايات النظرية، وبعيدًا عن كلّ الأيدلوجيات المزعومة.

يبقى الهدف الوحيد، الحقيقي والمؤكد، هو رغبة كلّ طرف أن يستحوذ على القسط الأكبر من الثروة فحسب. حتى السلطة ليست غاية بذاتها إلا باعتبارها الوسيلة الأضمن لحيازة الثروة والتصرف بها بحسب أطماع المسيطر، ورغباته الشخصية، أو العامة، لا يهم. 

عبر التاريخ، يتفنن البشر في تمويه أهدافهم الحقيقية من كلِّ سلوك يقومون به؛ سواء كان سلوكا فرديًا أو جماعيًا، يغلفونه بغايات برّاقة، وتحت كل شعارات الخير والفضيلة تكمن الأنانية والطمع البشري لتحقيق القوة وتأمين الحياة الخاصة. الحوثي مثالًا لهذه الأطماع اللئيمة، الشراهة العنيفة للسلطة، ومراكمة فائض من القوة.

والمال أحد أهم عناصر القوة، بل هو الغاية المرجوّة من الحرب. فتحْت كل بندقيّة يكمن حلم خفي، هدفه: مزيد من الثراء والحياة الرغيدة. 

مؤخرًا، انفجرت المعركة المؤجلة بين الشرعية والسلالة الحوثية الانقلابية. لقد حسمت الشرعية قرارًا جوهريًا كان عليها أن تتّخذه قبل سنوات: محاصرة المصادر التمويلية للسلالة، وحرمانها من أحد المنابع الأساسية للتربّح.

يمكن القول: إن حرب الأموال هي هجوم خلف المتاريس، إطلاق نار مباشر دونما بندقية، لكأنّك تُشعل النار في أثواب العدو دونما حاجة إلى البارود؛ وتلك غاية الحرب، ونجاحك فيها استهداف لجوهر رغبات خصمك، وتهديد أطماعه الجاثمة على صدر الشعب منذ سنوات. 

قد لا تبدأ آثار المعركة المالية ضد الحوثي في الظهور مباشرة، فما هو معروف عن السلالة قدرتها على المناورة والتحايل على كل خطر يقترب منها، كما أنّها تتمتع بطباع راسخة في العناد، ومحاولات إظهار حصانتها من كل أذى، إلى جانب امتلاكها احتياطيا ماليا راكمته، طوال سنوات الحرب، ويمكنها اللجوء إليه لسد أي عجز مالي محتمل الظهور، لكنها في كلّ الأحوال لن تكون في مأمن شامل ومستدام من آثار القرارات الاقتصادية، وحصار البنك المركزي لها. 

صحيح أنّ جماعة الحوثي لديها تراكم خبرة، نتاج معايشتها لظروف مالية متعددة، فترات طويلة كانت فيه محدودة التمويل، ونجحت في الصمود عبر مختلف الظروف؛ لكنّها قد غادرت تلك الفترات الأولى، وتبدلت أحوالها كليّا، ومعه تغيّرت طباع الجماعة، وقوتها المعنوية، ومشاعر الزهد والقدرة على العيش بأقل ما يمكن من الزاد والمؤونة. 

نحن الآن لسنا أمام جماعة "الشباب المؤمن" في صعدة، بل في مواجهة كتلة بشرية تسمّنت، وتوسّعت في نفوذها ومداخيلها.عشر سنوات كافية لتحدث تغيّرا بنيويا في تركيبة الجماعة الحوثية. 

لا أتحدث عنها كجماعة سلطوية، ولا عنها كتيار سياسي ينتحل صفة الدولة، بل ككتلة بشرية نشأ لها نظام مالي وإداري، ذو طبيعة استحواذية، نظام ينمو باستمرار، ولديه آمال بازدياد أرباحه، وتعدد مصادر دخله.

وحين يتلقّى هذا النظام حصارا مرتبا ومتواصلا، ويبدأ بالشعور بتقلّص مداخيله، لا بُد أن يتسبب الأمر بحالة إرباك يصعب السيطرة عليها مهما كانت بدائله، ومهما كانت براعته ومهاراته في الاحتيال. 

مذ تمكّنت السلالة من السطو على مصير الشعب، وفرض سلطتها عليه بالقوّة، لم يكترث الحوثي لشيء، سوى التفتيش عن كلّ مصادر الثروة، وتسخيرها لصالحه.

وطوال عشر سنوات لم ينفق الحوثي ريالًا واحدًا على الشعب، وظلّ يركّز أمواله في نافذتين فحسب: ينفق بسخاء على قوته العسكرية، ويراكم الباقي كأرصدة خاصة لعناصره، أو ادّخارها كاحتياطي سرّي لحساب جماعته. 

تحتاج الشرعية إلى الدفاع بصرامة عن قراراتها، ليس لكونها قرارات ناجحة ومهمّة لخفض جموح السلالة الحوثية وإجبارها على المرونة في التفاوض، بل لأنّها -قبل ذلك- جاءت في ظرف سياسي تكاد الشرعية فيه أن تكون على مشارف التلاشي، ويحيط بها خطر الغروب طال الزمن أو قصُر. وقد ألمح لذلك بيان مجلس القيادة في إشارته إلى كون القرارات تمسّ آخر أعمدة الشرعية، وحقها في ممارسة سلطتها السيادية. وعليه يمكن أن يكون نجاحها في مواصلة تدابيرها، وحصار السلالة الحوثية، نافذة مهمة لتعزيز مركزيّتها السياسية، وإثبات ما لها من موقع ونفوذ، وقبل ذلك وبعده تأكيد أنّها ما تزال تحوز شيئا من "الإرادة السياسية"، وبدون الإرادة ينتفي الوجود. 

وجودك الإنساني الفردي، أو وجودك كسلطة ونظام ودولة، يحمل مهمة حماية مصير الشعب، ورعاية مصالحه. 

الخلاصة: في فترات الصراعات، حين تختلط أمامكم الرؤى، وتفقدون القدرة على معرفة الصواب والخطأ، حين ينجح المتحاربون في إغراقكم بسيل من الأفكار، ويشوشون عليكم الصورة، حين لم تعودوا تثقوا بأحد، وتشعرون بالتيه والضياع، تذكروا شيئًا واحدًا، يكاد يكون يقينيا وغير قابل للتلاعب به، هو أنّ كلّ طرف يحمل السلاح، ويحارب هدفه: الثروة قبل السلطة، ولو فضّلتم أن تتقدّم السلطة على الثروة، تذكّروا أن السلطة وسيلة كبرى، مظلّة مزركشة، تختبئ تحتها رغبة بشرية للثراء.

للسلالة الحوثية أطماع شخصية تشكّلت وتنسّقت ونُسجت لها أفكار ونظريات وشعارات وأخلاق وقيم، كلها مفتراة ومزعومة، والهدف بسيط وواضح ومؤكد: نريد مزيدا من الثراء والأُبّهة، نرغب بالقوة (والمال أحد أهم عناصر القوة)، وما الصاروخ والمدفعية والبندقية سوى وسائل وجسور لتأمين الوصول نحو الخزائن: خزائن البنوك، أو موانئ التصدير والاستيراد، حقول القمح، التي كان أجداد السلالة يتطفلون عليها، أو حوالات المغتربين وأموال الضرائب والجمارك.

تتعدد مظاهر التطفل السلالي والنتيجة واحدة: الرغبة بالثراء، وتأمين حياتهم الخاصة. هي هكذا كلّ الجماعات الصغيرة، الطفيليات الناشئة على ضفاف التاريخ، اللصوص وقُطّاع الطرق، بعِبارة أخرى.

مقالات

حكاية الرَّجل المَيِّت (الفصل الخامس)

عندما عرَف أهل القرية من سُفَرجَلة أن عساكر الدولة لاذوا بالفرار، داخلهم شعور بالخوف من الرجل المَيِّت، وأولئك الذين كانوا غير مصدقين بأن سلطان المِلْح عاد من البحر ميِّتا صدقوا بعد هروب العسكر، وقالوا:

مقالات

حرب إيرانية رسمية ضد اليمن.. ما رد الفعل؟

قبل أيام أعلنت الحكومة الإيرانية تعيين سفير جديد لدى مليشيا الحوثيين في صنعاء. لاحقاً جرى استقبال السفير رسمياً في القصر الرئاسي، وفُرش له السجاد الأحمر، واستعرض حرس الشرف. لا يمكن قراءة الأمر إلا باعتباره تصعيداً إيرانياً، أو أنه عودة إلى نقطة البداية، باعتبار طهران ما زالت تخوض حرباً ضد الحكومة اليمنية.

مقالات

"سلطان الغناء اللحجي"

الغناء اللحجي يبث فيك الفرح حتى لو كنت تعاني سكرات الموت. ينتَعك من رتابتك وجمودك، ويوقظ فيك نشوة تقلّب مزاجك 180 درجة، دفعة واحدة.

مقالات

لا للتطبيع

يمتاز المثقف عن السياسي في مضمار التعاطي مع القضايا العامة (القضايا المتصلة بالدولة والمجتمع) أن السياسي قد يُغلِّب حالةً من الديماغوجيا أو البراجماتيا في اتخاذ هذا الموقف، أو إبداء ذلك الرأي تجاه هذه القضية أو تلك المسألة، أما المثقف فالمتوقع منه، أو المفترض فيه أن يكون أكثر احتكاماً إلى صوت العقل والضمير في مواقفه وآرائه؛ لأنه أكثر التصاقاً بالغالب الأعظم من الجماهير من جهة، ومن جهة أخرى يكون أكثر قلقاً وحذراً تجاه أحكام التاريخ والأجيال بهذا الصدد.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.