مقالات
كريستيانو..
كرستيانو رونالدو واحد من أشهر الأشخاص اليوم على هذا الكوكب..
لاعب مثابر دوّن اسمه قبل عشرين سنة، ولا يزال حتى اليوم يتردد..
شغف وروح قتالية ملفتة، وهو يمضي في خاتمة مشواره، حقيقة كأنه شاب في بداية الحلم يحترق من أجل الفوز، يبكي، ثم يضحك في لحظة كأنه بدأ للتو..
هذه هي مِيزة كُرة القدم؛ لا تمنحك حلاوة الفرح إلا بعد أن تذيقك مرارة الحزن، هكذا مضى لقاء البرتغال وسلوفينيا في ملحمة غريبة -في بطولة أمم أوروبا 2024- هذا اللقاء تحديدا انتهى بصعود كريستيانو ورفاقه بضربات الترجيح بعد أن أهدروا ثلاث ضربات جزاء، قلت لحظتها صعود البرتغال أفضل بكثير من منتخب العُميان سلوفينيا، وأضفت أنه جزء من اللعبة ومُتعة المواجهات الكبيرة التي تنتظرهم هناك فرنسا..
علقت أيضا على تلك الليلة بـ"ليلة بكاء كريستيانو"، لا يوجد أحد مثالي، يجب أن يكون اللاعب الأقل حظا على الإطلاق حتى يتمكَّن من بذل المزيد لحجز موقع واسم بلده ومنتخبه في المقدمة، وهذا ما يبذله الأساطير من أجل جماهيرهم.
تبدو كرة القدم مع كريستيانو، في سنواته الأخيرة، قاسية جدًا، لكنها عادت وأنصفته البارحة، حيث أحرز كريستيانو جائزة الهداف التاريخي لدوري الأبطال، رأيت في وجهه البهجة ترتسم مجددا، خصوصا وأنه يتعرّض للكثير من التنمُّر والاستهجان من قِبل جهور عريض في الدوري السعودي، وهو ما يعيد إلى الذهن حالة تلبسته في بطولة أمم أوروبا المنتهية..
في هذه البطولة تحديدا، كشف عن مشاعره المتناقضة أكثر من أي وقت مضى أمام ملايين المشاهدين؛ وهو يبكي بعد أن أضاع ضربة الجزاء، ميسي ذرف الدموع أيضا غير مرة- لكن أكثرها وجعا كانت في مؤتمر صحافي في وداع برشلونة، وهو يشيّع المكان الذي عاش فيه عصره الذهبي، وفي الأساس مشيعا للروح الساعية وراء حلم..
النجم الإيطالي الملهم روبورتو باجيو أهدر ضربة الجزاء الشهيرة في كأس العالم في مواجهة البرازيل وإيطاليا أمام أكثر من 90 ألف متفرج. باجيو مات في هذه الثواني التي أضاع فيها حلم الشعب الإيطالي من التتويج باللقب، حينها قال: "أحسست لحظتها أنني مت واقفا"؛ وظلت هذه اللحظة كابوسا يطارد حياته طول سنوات حتى علقت الصحافة حينذاك "مات واقفا".
أصدقائي الذين أعرفهم ممن وقعوا في غلطة السخرية من دموع كريستيانو رونالدو فقد استلبتهم الفكرة -بلا استثناء من يشجعوه أو لا يحبونه- بفكرة أن كريستيانو يجب أن يعاقب على فعلته، ويستحق اللوم والسخرية، هذه فكرة غير صائبة يا رفاق، ومنذ تلك الليلة وأنا أرددها أمام البعض، وكلما دار النقاش عن الأفضلية بين ميسي أو كرستيانو.
أحيانا أخشى وأنا أستمع إلى قصص دموع الناس ـ ومن ثم معاناتهم في الغالب ـ أن أقترف خطأ التورط بعدم الإحساس بما يشعرون أو يمرون به فأعجز عن الإنصات، أو التأثر لأجلهم، ولأكثر ما يريد الناس أن يكونوا عليه في هذه اللحظة المفصلية، ربما في حياتهم، ولا أزيد بذلك على أن أكون سببا آخر يحملهم على البكاء والنشيج..
ثمة قسوة خاصة تنتطوي على فقدان إمرئ إحساسه، قسوة سببها الجهل ربّما باللحظة التي ينبغي أن يبدأ فيها انهمار الدموع للتطهر؛ للتخلص من وطأة الصدمة، أو هكذا أراها..
أما من يبكون أمام الناس فهذه أيضا تقنية خاصة -كما فعل ميسي في برشلونة وكريستيانو في ألمانيا وغيرهما من النجوم-
تكشف كيف يبكي المرأ في المقام الأول مما أو لما يعشق ويعيش لأجله، إنها لحظات للأثر السيكولوجي وحده غير القابل للقياس..
سخاء ممارسة سلوك البكاء اللائق ظهر دفعة واحدة في لحظة كان يجب أن يتماسك فيها كريستيانو بعد أن أهدر ضربة الجزاء الطبيعي هو ما حدث وعادت ضحكته البارحة كما لم يستطع كتم دموعه قبلها، لم يكتم ضحكته عندما تمكن حارس المرمى أن يصد ثلاث ضربات جزاء ليصعد منتخبه إلى تصفيات الرُّبع النهائي في مواجهة فرنسا.
ففي حين أن غاية الدموع هي استدرار المعونة، فلا يكاد الباحثون يقدمون عزاء يُذكر لأولئك الذين استفزوا دموعهم.
إذا لم تتمكن من إيقاف دموعك، أو إذا خرجت بوجهك الباكي إلى العلن، بوسعك أن تختفي وراء كذبة عن الحساسية التي تعاني منها في مكان ما أنك تعاني من نزلة البرد.
يريدون من كريستيانو أن يحافظ على المِيزة المعنوية الكامنة في الثبات، وفي الكرامة، بينما هو إنسان؛ هو بشر.