تقارير
شريان حياة للفقراء.. انتشار أسواق المواد الفاسدة والمنتهية في اليمن
يواجه اليمنيون صعوبات في الحصول على وجبات الطعام اليومية؛ بسبب ارتفاع أسعار المواد الغذائية، وانخفاض وشح فرص العمل، وذلك دفع الكثير من الأسر إلى تبنّي آليات تكيّف سلبية لتوفير نسبة بسيطة من الطعام، وإن كان قَارَب على الانتهاء أو فاسدا، فيما المهم أن يكون ذلك بسعر بسيط، من الأسواق اليمنية، التي تتزاحم على أرصفتها مواد فاسدة ومقرِّبة على الانتهاء لشرائها كغذاء.
"غذاء الفقراء الذين ليس لهم القدرة لشراء الدقيق والزيت بأسعاره المرتفعة"؛ بهذه الكلمات وصف أحمد موسى (أحد الباعة في مأرب) السلع الغذائية قريبة الانتهاء، التي يبيعها.
موسى، الذي يتكئ على كومة من هذه المواد، يقول إنها تلبِّي احتياجات الفقراء والنازحين، الذين لا يستطيعون تحمّل تكاليف المواد الغذائية الجديدة.
تمتد طويلا المواد الغذائية المعروضة وسط الشارع الرئيسي في المدينة، التي تحتضن آلاف النازحين والأسر الفقيرة والمعدمة من المواطنين، الذين يقبلون على شراء تلك المواد المقربة على انتهاء تأريخ صلاحيتها، وتشمل أنواعاً مختلفة من القمح، وزيوت الطبخ، والبقوليات، وحتى المنظفات، حيث تُباع بأسعار زهيدة؛ مقارنة بالسوق التقليدي.
يقول موسى إن المواد تُعرض عليه من قِبل تُجار الجملة للمواد الغذائية في المحافظة؛ لبيعها في السوق بشكل عشوائي، ومباشر للتخلّص منها، وتقديم ما أسماه "أجرا لمساعدة الناس الفقراء"؛ لانهم لا يقدرون على شراء المواد الغذائية الجديدة؛ بسبب أسعارها المرتفعة.
- قصص من قلب المعاناة
من جهتها، تقول النازحة أم محمد، التي خرجت من سوق المواد الغذائية المهرّبة والمنتهية وسط شارع في قلب مدينة مأرب، وهي تحمل على رأسها نصف كيس من الدقيق الأبيض الفاسد، إنها تزور هذه السوق بشكل شبه يومي لشراء حاجتها بسعر بسيط.
وتحدثت أنها اشترت نصف كيس من القمح بمبلغ 12 ألف ريال من سوق المواد المقربة على الانتهاء، فيما قيمته في المحال التجارية أكثر من 20 ألف ريال يمني، والفرق ذاته تجده أم محمد في بقية السلع التي تشتريها -حسب قولها.
رغم علم أم محمد بأن بعض المواد، التي تشتريها انتهت صلاحيتها، أو قاربت على ذلك، فإنها لا تبدي قلقاً من ذلك، قائلة: "ما فيش معنا فلوس نشتري من المحال التجارية؛ إحنا فقراء ونازحين، ولا معانا شيء".
- تجارة بين الرّبح والخسارة
يؤدي عدم استقرار سعر صرف الريال مقابل الدولار في البلاد إلى احتكار التجار السلع الغذائية؛ خوفا من الخسارة، مما يؤدي إلى تلف الكثير من المواد الغذائية في المخازن، إما بسبب انتهاء تأريخ صلاحياتها، أو بفعل التخزين السيِّئ في ظل انقطاع الكهرباء، وغلاء أسعار المشتقات النفطية في الأسواق -بحسب الصحفي الاقتصادي وفيق صالح.
يقول صالح: "إن التجار يقومون بإخراج المواد الغذائية المقربة على الانتهاء إلى الأسواق، وبيعها بأقل الأثمان للحصول على جزء من القيمة الأساسية للسلع لتحاشي الخسائر الكبيرة".
وأضاف: "ذلك قانوني، ولا يخالف، ولكن إذا كانت المواد الغذائية قد انتهت تماما فهي مخالفة وممنوعة".
وتابع: "الكثير من ضعفاء النفوس -من تجار الجملة في اليمن عامة- استغلوا ضعف الرقابة وغيابها، خلال السنوات الماضية، في مرحلة حرجة تمر بها البلاد من حرب وانهيار اقتصادي، أدى إلى غياب الكثير من المؤسسات الحكومية الحيوية في المحافظات".
- انتشار واسع للأسواق
"لا تكاد تخلو محافظة من محافظات اليمن إلا وتتواجد فيها الأسواق المتخصصة في بيع المواد الغذائية المنتهية والفاسدة والمقربة على الانتهاء، في ظل الجوع والفقر المنتشر في البلاد، والغلاء المعيشي، خاصة للمواد الغذائية الأساسية" - يقول صالح.
وأضاف: "هذه الأسواق ينشئها تجار الجملة للمواد الغذائية في البلاد ككل"، مشيرا إلى أن "هناك خسائر كبيرة تكبّدها تجار الجملة في اليمن، خلال السنوات التسع الماضية من الحرب، وذلك بفعل انقطاع الكهرباء، التي يؤدي إلى توقف التكييف داخل المخازن، مما يؤدي إلى تلف المواد الغذائية بشكل عام".
وأوضح: "عدم استقرار سعر الصرف المضطرب في البلاد، منذ اندلاع الحرب، سبب محوري في وجود هذه المواد".
وتابع: "من أسباب تواجد هذه الأسواق هو الإقبال الكبير عليها من قِبل المواطنين المحتاجين إليها، بالإضافة إلى أن وجود الأسواق من هذا النوع، يعد مؤشرا إلى ركود في الأسواق، أو ما يُسمى بضعف القوة الشرائية، مما يؤدي إلى انتهاء صلاحية هذه المواد، وهي لا زالت في مخازنها".
- مستوى الجوع غير مسبوق
"مستوى الجوع الحالي في اليمن غير مسبوق، ويسبب معاناة شديدة لملايين الناس"، بحسب برنامج الغذاء العالمي الطارئ في اليمن، خلال العام 2023، الذي قال إن "نحو 21.6 مليون شخص بحاجة إلى المساعدة الإنسانية الغذائية، وأن 17 مليون شخص يعانون من انعدام الأمن الغذائي، فيما 3.5 مليون امرأة وطفل دون الخامسة يعانون سوء التغذية الحاد في اليمن".
وبحسب البرنامج الأممي، الوضع الإنساني في اليمن هش للغاية، وأي انقطاع في الإمدادات الحيوية -مثل الغذاء والوقود والأدوية- من شأنه أن يقرِّب الملايين من الموت، بهدف الوصول إلى 15 مليونا من الأشخاص الأكثر ضعفاً بالمساعدات الغذائية الطارئة.
يقول البرنامج: إن "استجابة برنامج الأغذية العالمي للطوارئ في اليمن يعد الأكبر في أي مكان في العالم".
يُعَد معدل سُوء تغذية الأطفال من أعلى المعدلات في العالم، ويستمر الوضع الغذائي في التدهور؛ حيث أظهر مسح ميداني أن ما يقرب من ثلث العائلات تعاني من فجوات في وجباتها الغذائية، ونادراً ما تستهلك أطعمة مثل البقوليات، أو الخضار، أو الفاكهة، أو منتجات الألبان، أو اللحوم.
فيما لا تزال معدلات سُوء التغذية بين النساء والأطفال في اليمن من بين أعلى المعدلات في العالم، حيث تحتاج 1.3 مليون امرأة حامل ومرضعة و2.2 مليون طفل -دون سن الخامسة- إلى العلاج من سوء التغذية الحاد.
وفي بيان له، قال برنامج الأغذية العالمي في اليمن -نُشر في أغسطس من العام الجاري- إنه يواجه نقصاً حاداً في التمويل يهدد استمرار تقديم المساعدات الغذائية الطارئة، وأن ذلك سيُحتِّم على البرنامج اتخاذ بعض القرارات الصعبة للغاية بشأن المزيد من تقليص المساعدات الغذائية في البلاد.