تقارير
في ظل الأزمات والحروب الجديدة.. ما مستقبل جهود الإغاثة في اليمن؟
يعاني اليمنيون من أزمة إنسانية متعددة الأوجه تهدد حياة الملايين، فإلى جانب الحرب المستعرة، التي شرَّدت الملايين ودمَّرت البنية التحتية، يواجهون شبح الجوع والمرض في ظل انهيار اقتصادي شامل، وندرة في الخدمات الأساسية، وتفاقم الكوارث الطبيعية. هذا الحال ليس واليد اليوم، ولا الصدفة، بل جذور هذه الأزمة متعددة.
إلى جانب المليشيات، التي تتقاسم البلاد، تُلقي سنوات من الفساد والاستبداد وسُوء الإدارة بظلالها على الواقع اليمني، لتعمِّق حجم المأساة، وتجعل المساعدات الإنسانية شريان الحياة الوحيد للملايين من اليمنيين، الذين يواجهون خطر الموت جوعا، أو مرضا.
استمرار التدخل الإنساني في اليمن ليس خيارا بل ضرورة مُلِحة، ففي الوقت الذي تمعن فيه المليشيات الحوثية في نهب ثروات البلاد وتسخيرها لخدة أجندتها العسكرية، يعاني الشعب اليمني من شح في الغذاء والدواء، وانعدام في الخدمات الأساسية، وتشكل المساعدات الإنسانية الفَرق بين الحياة والموت بالنسبة للملايين من اليمنيين.
- أزمة إنسانية
يقول المنسق العام للجنة العليا للإغاثة، جمال بلفقيه: "الأزمة الإنسانية في اليمن بلغت حدها الذي لا يُطاق، بحيث لا يستطيع الإنسان الصمود أمام الاحتياجات التي هي تعصف باليمنيين في جميع مناحي الحياة، سواء بسبب الأوضاع الاقتصادية، أو بسبب المنخفضات الجوية، أو عدم وصول المساعدات بشكل عام".
وأضاف: "طبعا نحن عندما نتحدث لا نتوقع أن الدعم سيكون كبيرا جدا؛ لأننا دائما نتحدث أن حشد الأموال مهم؛ لكن تنظيم وتنسيق العمل الإنساني والإغاثي، وإدارته، أهم من الأموال، التي تستلمها هذه المنظمات".
وتابع: "نحن دائما نلاحظ - مع نهاية كل سنة وبداية كل سنة - أنهم يسعون إلى زيادة التمويل، لكن العمل الإنساني الإغاثي، إذا لم يتم بشراكة حقيقية ما بين الحكومة والقطاع الخاص، وكذلك منظمات المجتمع المدني، وتقوم جميع المنظمات الحالية، بإيصال المساعدات إلى مستحقيها عبر جهات تنظم هذا العمل، أعتقد أن الأموال مهما كانت لن تستطيع الوصول إلى كل المستحقين، الذين هم بحاجة للإغاثة".
وأردف: "إذا ليس هناك عقل يفكر وينظم هذا العمل، فإنه مهما زادت هذه الأموال فإنها ستختفي في الرمال، ولهذا فإن التنظيم في العمل الإنساني والإغاثي سيساعد بشكل كبير، حتى وإن كانت المبالغ المالية قليلة، إلا أنها ستوصل إلى جميع المستهدفين، بحسب آلية العمل، وبحسب احتياجات وخصوصيات كل محافظة".
- سوء إدارة وغياب الثقة
يقول الباحث في الشؤون الاقتصادية والإنسانية، الدكتور إيهاب القرشي: "نحن عندما نتحدث عن خطط استجابة، ومطالبة الحكومة للأمم المتحدة بعقد مؤتمر خاص باليمن، نحن طالبنا بهذا عدة مرات، وأتت اموال، وتدفقت أموال، ولكن هناك سوء إدارة لهذه الأموال".
وأوضح: "رؤية خطط الاستجابة الإنسانية في اليمن تعني لا بد أن يكون لدينا فهم واضح لها، أولا إذا عُقد مؤتمر، في العام الحالي أو في 2025، فهذا يُقصد به تنفيذ محتوى هذا المؤتمر في العام 2026م، وليس في 2025م، بمعنى آخر أن عام 25 سيتم تنفيذ خطة الاستجابة الطارئة للعام السابق 2024، الذي بلغت متطلباته 2.7 مليار دولار، وبلغ التمويل حتى اليوم مليارا و307 ملايين و887 ألفا و152 دولارا، بنسبة 37 % من خطة الاستجابة".
وأضاف: "إذا جردنا خطط الاستجابة الماضية، منذ العام 2012 وحتى نهاية العام 2024، سنجد أن المتطلبات، التي تقدمت بها الأمم المتحدة للإغاثة والأعمال الإنسانية في اليمن، بلغت 33.3 مليار دولار، بينما تم تغطية فقط 20.7 مليار دولار، أي بعكس يتراوح ما بين 37 إلى 40 %، وهذا يعني أن احتياجات اليمنيين 40% لم تغطَ خلال 12 عاما، وهذا الأمر مهم جدا".
وتابع: "أي أن متوسط الإنفاق على خطط الاستجابة الإنسانية في العام الواحد، خلال 12 سنة، هو مليار و600 مليون دولار".
وأشار إلى أن "هناك تراجعا رقميا موجودا في تمويل خطة الاستجابة، فمثلا الولايات المتحدة قدمت، في العام 2022، مليارا و88 مليون دولار، وقدمت المملكة العربية السعودية، في العام 2019، مليارا و63 مليون دولار".
وزاد: "بينما، اليوم، أمريكا تصدرت المرتبة الأولى بـ722 مليونا و900 ألف دولار تراجعت المملكة العربية السعودية إلى 62 مليونا و900 ألف دولار".
وأوضح: "هذا يعني أن الولايات المتحدة تصدرت أكثر من 45 % من خطة الاستجابة الآنية، بينما تراجعت المملكة العربية السعودية إلى 7.9 % من خطة الاستجابة، وذلك لعدم الثقة بآليات الأمم المتحدة وبرامجها، وطرق تنفيذها لهذه المشاريع طوال الفترة الماضية، لأن الأثر ضعيف".
واستطرد: "المانحون لم يعدوا يثقوا بمنظمات الأمم المتحدة والمنظمات الدولية، بسبب ظهور مظاهر فساد كبيرة، وذهبت الأموال إلى جيوب مليشيا الحوثي، ولم يظهر الأثر المعقول لهذه المليارات".