مقالات

الانهيار المدبّر

17/10/2024, 15:50:52

من الواضح أن معيشة المواطن اليمني لا تندرج ضمن أي أولوية لفاعل محلي.

تنهار العملة المحلية باستمرار دون القيام بأي معالجات طوال سنوات، لتسجل هبوطاً تاريخياً تجاوز حاجز 2000 ريال للدولار الواحد، خلال الأيام الماضية.

الارتفاع ليس مفاجئاً، وكان متوقعاً على الدوام، منذ أن قررت الشرعية التخلي عن وظائفها السيادية لمصلحة أجندة التحالف.

لم يكن أحد ليخطئ الاستنتاج وهو يشاهد الحلف العسكري يضع يده على الجُزر والموانئ والمنشآت الحيوية والإستراتيجية.

ما من منقذ خلف هذه الممارسات، بل أطماع قادت إلى هذا الانهيار الكبير.

لا يمكن بأي حال لبلد يخوض حرباً مصيرية في مواجهة أسوأ ما يمكن تخيله من نسخ الانقلابات، أن يُحرم من استغلال موارده، إلا إذا كان ذلك جزءًا من أهداف الحرب نفسها!

في ظروف الحروب لا تسعى الدول لتعبئة الموارد المتوفرة فقط، بل البحث عن موارد إضافية واختراعها.

كلفة الحرب الباهظة تُوجب الاستعداد لكل الظروف غير المتوقّعة، فكيف يمكن إغفال الجانب الاقتصادي، وهو أهم المظاهر التي تعكس التأثيرات الفورية للصراع؟!

في السنة الأولى للحرب  استعادت القوات الحكومية والمقاومة مسنودة بطيران التحالف منشآت بلحاف الغازية في شبوة -جنوب شرقي البلاد.

لم يكن الأمر يحتاج سوى القليل من الإجراءت والصيانة لاستعادة التصدير، وتشغيل أهم منشأة إستراتيجية في البلاد تُدِر سنوياً ملياري دولار على الأقل، لكن أبو ظبي وضعت اليد عليها، وحولتها إلى سجن!

بالإضافة إلى عديد ممارسات أظهرت أطماع "الحلفاء" باكرًا، عملت الدولتان على إضعاف الشرعية في مواجة الحوثي وصناعة مليشيات وسلطات أمر واقع، وانقلابات بددت معظم الموارد المحلية المتاحة، وحوّلتها إلى جبايات لصالح رؤسائها.

كان التحالف يفضل تقديم المساعدات المالية المحدودة للحكومة اليمنية الضعيفة على أن يمكِّنها من استغلال موارد البلد؛ هذه الطريقة كانت تضمن له السيطرة على القرار السياسي، والاقتصادي بصورة شاملة.

ورغم الانفراجة المحدودة بالسماح باستئناف تصدير النفط فقط، إلا أن الأمر لم يلبث حتى صار شأناً يخص أمن الجوار. في هذه اللُّعبة القديمة الجديدة ستكون مليشيا الحوثي هي حصان طروادة السعودية والإمارات، بدءًا من الانقلاب مروراً بالحرب التي طالت كل شيء، وصولاً إلى قصف المنشآت النفطية، ووقف التصدير، وصناعة هذا المصيرالماثل.

صحيح أن فساد الشرعية واضح، مع ذلك كان استئناف تصدير النفط يجلب بعض العُملة الصعبة لتسيير الحياة اليومية للبلاد، ويُحِد من الهجوم على العُملة المحلية، غير أن مليشيا الحوثي مارست أسوأ أشكال الحرب التي يشنها عدو، إذ صنعت جحيماً لليمنيين بفرض عُملة خاصة ومنافذ جُمركية، وفي لحظة تفاهم تام مع التحالف، أقرّ الجميع بحقها في توقيف تصدير النفط؛ "حفاظاً على الهدنة"!

هذا التناغم بين الحوثي والتحالف سيظهر بصورة أكبر حين تقرر الرياض وأبوظبي الضغط لإلغاء قرارات البنك المركزي المتعلقة باستعادة سلطته على السياسة المالية والنقدية للبلاد، دون أن تتقدّما بأي بديل لمجابهة الانهيار الاقتصادي.

حتى في ظل الهدنة، كان يمكن لهذه القرارات أن تشكِّل ضغطاً على مليشيا الحوثي للتفاوض من أجل وقف الانقسام النقدي، وتحييد الاقتصاد عن الصراع، لكن الأمر لم يكن مهماً بالنسبة لدولتين وجدتا نفسيهما أمام حالة فريدة: فالعدو المفترض يقدّم لهما خدمات بلا حدود، أما الحلفاء فقد قبلوا أن يكونوا أتباعاً بلا أي اشتراطات، واستمرأوا العمل مغلولي الأيدي.

سنكتشف -من خلال هذه المعادلة- أن هناك من أراد أن يقول إن وقف انهيار الأوضاع الاقتصادية في اليمن مرهون بضمان أمن الجوار واستقراره!

بعبارة أخرى، كأنه يتوجّب أن يموت اليمني جوعاً وهو ممنوع من استغلال ثرواته، لكي يتمكن الجيران من المضي الآمن نحو تحقيق أهدافهم الداخلية والخارجية!

أما الحوثي -فما يبدو أنه فائض قوة لديه- لم يكن أكثر من مجرد جيش احتياط للتحالف نفسه، وقد نجح في تمزيق اليمنيين وتجويعهم، وتحقيق أهداف دولتيه بصورة ناجزة!

يحرص الحوثي على ربط الهدنة باستمرار خنق اليمنيين اقتصادياً، لا يريد التراجع عن قراراته التي قادت إلى الانهيار الشامل، كما لا يسمح -في المقابل- للحكومة باستئناف تصدير النفط، ووقف هذا الانهيار الاقتصادي المدبّر.

لا يتقدّم نحو الحرب، ولا يرجع خطوة نحو السلام؛ لكأنه أراد أن يُثبت -للمرة الألف- أن عدوه الحصري هو "اليمنيون".

لا يبدو التحالف -بنظر الحوثي- عدواً إلا إذا تحركت الحكومة لمعالجة الملف الاقتصادي، حينها فقط يهدد ويتوعد وتتشنج لغته في محاولة لاستعادة ذكرياته عن "العدوان"!

ليس من المعقول أن تستمر الأوضاع على هذه الشاكلة، وليس مقبولاً أن يستمر طحن عظامنا بين قطبي رَحَى شرهة تريد لليمني أن يموت بالتقسيط ذليلاً.

إذا كان على اليمني أن يموت، فليفعل ذلك في معركة "رفض الحوثي والتحالف معًا".

مقالات

أبو الروتي ( 10)

في أول يومٍ أذهبُ فيه إلى المدرسة (المعهد العلمي الإسلامي).. وفيما كنتُ أعبرُ بجوار السوق المركزي، وانعطفُ يساراً باتجاه "مدرسة السّيْلة" الابتدائية، شاهدت خمسة أطفالٍ شياطين يخرجون من الشارع الموازي للسوق المركزي؛ أربعة منهم بنفس عمري، وخامسهم أكبر مني، ومن أصحابه الأربعة، وكانوا جميعهم يشترون الرّوتي من فُرن الحاج، ويرونني هناك، لكن كبيرهم كان أول من لفت انتباههم إلى وجودي، وأول من صاح قائلا، وهو يشير إليَّ:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.