مقالات

ثغرة في جدار الحرب القاتم

22/10/2020, 07:06:13

دموع الفرح والانعتاق والفرج في وجوه أقارب الأسرى والمعتقلين والمختطفين، المفرج عنهم في صفقة التبادل، على اختلاف وجهاتهم، كانت ومضة خاطفة أضاءت الطريق الذي يمكن من خلاله فتح ثغرات في جدار الحرب القاتم. 

لم تكن صفقة تبادل الأسرى نتاجاً لاتساع ممكنات الاتفاق أو مؤشراً لانفراج ينهي الحرب عبر الحوار بعد أن عجزت البنادق عن إنهائها بتحديد المنتصر والمهزوم، لكنها أحدثت ثغرة صغيرة في جدار مسدود، وخلقت إمكانية لثغرات أخرى. 

لن تنتهي الحرب بقرار يصدر اليوم ويطبق غداً، بل عبر سلسلة من الاختراقات توسّع الجانب الإنساني في إدارتها، وتذكر المتحاربين بأنهم بشر وأبناء بلاد واحدة، وأن الحرب محكومة بأخلاقيات وقوانين تواضعت عليها البشرية عبر تاريخها الطويل من الصراعات والحروب. 

الحرب الحقيقية في اليمن ليست المواجهات العسكرية في الجبهات، بل هي: الحصار، والتجويع، وانهيار نظام الرعاية الصحية، والخدمات، والتعليم، والخدمة المدنية، وقيمة العملة، وانقطاع المرتبات، ومآسي أقارب المعتقلين والأسرى والمختطفين المغيبين في السجون والمعتقلات، وأماكن الاحتجاز. 

الحرب هي الحواجز والتعسفات أمام تنقل المواطنين والسلع بين المدن، وبين اليمن والخارج. 

ضُرب على اليمنيين حصار متعدد المستويات والأطراف، ليس سياجه الخارجي سوى إطاره الرئيسي. 

خلقت الحرب حواجز لا حصر لها بين اليمنيين، وليست الحواجز والتعسفات على أطراف المدن، وفِي الطرق الرابطة بين المحافظات، سوى تمظهرات لهذه التشظيات والانقسامات، التي تبدو وكأنها واحدة من أهداف هذه الحرب التي تدار تشابكاتها الداخلية المعقدة من خارج اليمن، حيث تحتكر المبادرة ووسائل التحكّم الأساسية بمسار الحرب ومفاعيلها. 

فقد اليمنيون - مؤقتاً - مفاتيح التحكّم بقرار الحرب والسلام. 

تدار الحرب من أجل إنهاك اليمن كلها، بما فيها، ومن فيها، لتستوي عجينة ليّنة أمام قوى إقليمية ودولية تتوخّى رسم خريطة جديدة ليمن ممزّق ومستباح وخاضع للوصاية الخارجية. مراكمة خطوات شبيهة بصفقة التبادل الأخيرة، تضيق مساحة المناورة أمام هذه المخططات، وتضيف نقاطاً في كفة اليمن ضداً على اللوحة البائسة للحرب البرزخية، بكل مخالبها المتعددة و"المتناقضة". 

"لا توجد حروب مقدّسة"، هذا ليس إنكارًا لمنطق تاريخي يضع الحرب كحدث مفهوم، يُبَرَرْ بصراع ملازم لوجود البشر والدول والمجتمعات، ويفهم من خلاله. هذا المنظور الفكري التاريخي لفهم حدث مثل الحرب لا يترتب عنه بالضرورة النظر إلى الحرب كحالة مجرّدة يتم تقبلها كبديهية، والاقرار بها وبوظيفتها كأنها عقيدة يتم اعتناقها. 

الحرب تدار ضد اليمن، وكلّما طالت مدتها تضعف كل الخيارات الجيّدة، ويزداد مستوى تحكّم الخارج باليمن، وتحديدا التحالف السعودي - الاماراتي، الذي يدير حرباً متنوعة وبوسائل متعددة ومتناقضة منذ 2012. 

بعض دعوات وقف الحرب قد تبدو "غُفلية" وساذجة بصدورها عن ذهنية تسيطر عليها التمنيات، ولا تهتم بفهم الحرب ضمن سياقها الموضوعي ومفاعيلها المنتجة لها، ولكن هذا لا يقرر نجاعة الحرب، ولا يقرر أخلاقيتها، ولا يرتقي، بحد ذاته، إلى مستوى منطق قادر على تبرير استمراريتها بمعايير المصلحة الوطنية لليمن كبلد وكدولة ومجتمع. 

الحرب حتى كمفهوم مجرد مطالبة بتبرير نفسها أخلاقياً. لا يوجد حرب لم تحاول تبرير نفسها أخلاقياً، وتدّعي أن لها أهدافاً مشروعة ومبررة. 

حتى الاحتلال حاول تغليف نفسه بعقيدة "نشر التحضر والتقدّم". 

لكن، هل كل عنوان يرفع كغلاف أخلاقي للحرب مطابق لمعناه ومضمونه؟!!

في اليمن تبرر الحرب اليوم من منصات مختلفة بعناوين متعددة. 

لندع هذا جانباً، ولنترك العناوين كما هي، وننظر في تأثير الحرب على استمرارية حياة الناس. 

عندما تخرج الحرب، لا أقول عن المعايير الإنسانية، وإنما عن الحد الممكن من المعقولية لفهمها، تغدو فاشية صريحة ومناقضة لمصلحة المجتمع وحقوق أفراده في الحياة. 

هذه السمة الفاشية لطبيعة الحرب في اليمن وأهدافها، لا تقرر سوى شيء واحد: أن هذه الحرب لم تأبه باستمرار حياة الناس ومقتضيات عيشهم اليومي وبقائهم. 

إن هذه الحرب، بحد ذاتها، كانت أداة ضد اليمن واليمنيين، على شساعة التفاصيل والسرديات الشارحة لها. 

لنقولها بصيغة أخرى: تحاربوا في الجبهات ومناطق التماس، ودعوا الحياة تستمر. 

دورة الحياة للناس يجب أن تبقى. اطلقوا المعتقلين والأسرى. ارفعوا أصواتكم لرفع الحصار الخارجي عن اليمن، ورفع الحصار الداخلي عن المدن، وتحديداً عن مدينة تعز . كلا الحصارين يخنق اليمني ولا يحقق أهدافاً لها صلة بموازين الحرب، إلا إذا كانت حرباً ضد اليمني ب"ال" التعريف، أينما وجد وحيثما تموضع. 

مليونا طالب خارج المدرسة، ونظام التعليم شبه منهار. 

من شأن التوصل إلى تفاهمات لدفع مرتبات المدرسين تحديداً، والجهاز الإداري للدولة عموما، أن يخفف من كلفة الحرب وتبعات استمراريتها. 

إنشاء أجهزة إدارية جديدة في مربّعات الدويلات ومناطق سيطرتها بمعزل عن الجهاز الإداري الموحّد للدولة كأساس مشترك، يصعّب من فرص التعافي مستقبلاً بعد أن تُطوى صفحة الحرب. 

إنهيار نظام الرعاية الصحية ونظام الخدمات المتعلقة بالمياه والكهرباء والتعليم والمرتبات واحدٌ من العناوين المُمكن الحوار حولها، ضمن خارطة طريق تخفف من أكلاف الحرب، وتفتح ثغرات في جدارها المسدود. 

من هذه المُمكنات: تصدير النفط والغاز، وتشكيل لجنة اقتصادية مشتركة لادارة البنك المركزي، واتخاذ إجراءات لإنقاذ العُملة اليمنية من الإنهيار التام. 

لا نحتاج للتأكّد من طبيعة التحالف السعودي - الاماراتي كاحتلال ووصاية خارجية، هو يقول ذلك كل يوم، وبالمكشوف، وما سيطرته على ميناء بلحاف ومشروع الغاز ، والموانئ والممرات البحرية ومناطق الثروة النفطية، سوى واحدة من سلسلة متصلة لا تترك مجالاً لأي التباس أو تشوّش في الرؤية. 

التخفيف من أكلاف الحرب وتأثيراتها على الحياة هو خيار الضرورة الممكن والمتاح أمام أطراف الحرب في الداخل اليمني، في ظل إمساك الخارج بمفاتيحها وأقفالها.

مقالات

أبو الروتي (3)

(لحظة انطلقت بنا السيارة شعرت بأنّي كبرتُ، ولم أعد طفلا) فيما رحت أتقدّم باتجاه بيت جدي علي إسماعيل، تذكّرت كلام جدتي، وهي تودّعني عند مشارف القرية، وتقول لي:

مقالات

المساندة لكيان الاحتلال والأكفان لفلسطين!

منذ البدء؛ اختارت الكثير من الأنظمة العربية توزيع الأكفان في غزة. كان ذلك يختصر كل شيء: نتنياهو مطلق اليد، يتولى ذبح الفلسطينيين، بينما ستحرص هذه الأنظمة على أن يكون تكفين الضحايا عربياً خالصاً!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.