مقالات

حرب اليمن باعتبارها صورة مكثفة للعبث

03/06/2024, 16:27:03

مع هذا الجدل المثار حول القرارات المهمة للبنك المركزي في عدن، سيكون من المفيد وضع الإصبع على جرح طالما تغاضى عنه الكثيرون ولا زالوا: طبيعة الحرب العبثية التي تدار في اليمن.

هي عبثية في المقدمات، وبالضرورة ستكون في النتائج؛ لأنها كانت تمضي بلا وجهة ولا هدف ناظم لشخوصها وأبطالها - إن كان هناك أبطال - على نحو يشبه ما يفعله العبثيون في المسرح، مع الاحتفاظ بالتقدير لنبل أتباع المذهب العبثي، وسمو مقاصدهم في التمرد والاحتجاج والتعبير عن حالة الضياع الإنساني.

على أن عبثية الطرف الإقليمي، الذي أعلن حلفاً عسكرياً كبيراً  قبل أكثر من 9 سنوات، كان لديه أهدافه غير المعلنة، وكان يدرك حتماً أن نتائج ما يفعله ستفضي إلى هذه اللحظة، حيث نشارف على الانهيار الاقتصادي التام، بعد سنوات من "معارك" تسمين الحوثي وتصفية الشرعية!

ظهرت ملامح هذه العبثية في السنوات الأولى للحرب، ويمكن تقسيمها إلى مرحلتين.
مثلت السنة الأولى والثانية مرحلة الحرب الأولى، حيث جرى إسناد الحكومة الشرعية بشكل جيّد مع الاحتفاظ بخطوط حمراء لإبقاء بعض المحافظات ساحة حرب مفتوحة كمدينة تعز دون إنجاز التحرير الكامل.

في المرحلة الثانية، التي غطت بقية سنوات الحرب، كان التحالف يخوض حرباُ أخرى، وبدلاً من إسناد مؤسسات الشرعية والمساعدة في إصلاحها كالجيش، كان ينخرط في تشكيل كيانات ومليشيات عسكرية موالية له بأهداف متضاربة تخدم في جملتها النهائية أهداف الحوثي، وتطيل أمد الصراع.

على المستوى العملياتي الميداني، اتسمت هذه المرحلة بعبثية لم تكن لتخطئها العين، مكنت الحوثي من خوض الحرب التي كانت تدار من غرفة عمليات التحالف بأريحية.

كان التحالف، بتسليم تام من الشرعية لقرارها العسكري، يمنح الحوثي حرية اختيار معركته.

حينما كان الحوثي يشن الحرب على مأرب أو تعز أو الضالع مثلاً -كلاً على حدٍة- كانت بقية الجبهات تلتزم الصمت، ما يمنح الحوثي وضعاً يجعله قادراً على تحريك عتاده وقواته البشرية من جبهة إلى خرى دون ضغط.

أكثر مظاهر العبث في الجانب العسكري تجلت في القصف المتكرر لقوات الجيش الحكومي في طول الجبهات وعرضها، وبعضها استهدف قوات كانت تقدمت للسيطرة على مواقع انتزعتها من مليشيا الحوثي!

بلغت هذه العبثية ذروتها حين تم طرد قوات الرئيس الشرعي من عدن تحت غطاء جوي لقوات التحالف، ثم صار التحالف هو الشرعية، والطرف الذي يقرر مستقبل الرئيس!

والحق أن هادي اختار نهايته بيده كما بدأ في صنعاء، قائداً ضعيفاً وفاشلاً، يجيد التخلص من حلفائه ورجاله أكثر من أعدائه قبل أن يطاله ما أجبر الآخرين على تجرعه.
على أن نهج العبث هذا لم يكن ليقتصر على المعارك في الميدان والحسابات السياسية المتنافسة لطرفي التحالف، بل طال الجانب الاقتصادي، حيث بدت هذه الحرب عجيبة بالنظر إلى الأهداف المعلنة.

إن أي حكومة في الدنيا تخوض حرباً لاستعادة الاستقرار والقضاء على التمرد هي بحاجة لكل مورد، بل إن عليها العمل على جلب مصادر إضافية لمواجهة كلفة الحرب. أما إذا حصلت على حليف قوي وثري فهذا يعني أنها قد قصَرت المسافة نحو النصر الحتمي.
لكن الحكومة اليمنية كانت تجرّد من مواردها بإذعان وارتهان نخبة الشرعية، وكان أحد طرفي التحالف يضع يده على كل منطقة يتم طرد الحوثيين منها، وبدت السيطرة على منشآت النفط والغاز والموانئ والمحافظات الحيوية الأخرى، كما لو كانت هي الهدف الإستراتيجي الأهم لحرب السعودية والإمارات.

صحيح أن الدولتين كانتا تدعمان الشرعية بالمساعدات المالية والقروض، لكن ذلك كان يتم بتقتير شديد ويجري ضمن حسابات إدارة الأزمة وإخضاع الحكومة للمزيد من الارتهان لأجندة الرياض وأبوظبي.

مع ذلك، لم تستطع هذه الواجهة الودودة إعلامياً إخفاء النهج المدمّر الذي يشكّل ضمناً حرباً اقتصادية رديفة ضد الحكومة وضد اليمنيين، وقد تضافرت مع حرب اقتصادية وعسكرية يشنها عبدالملك الحوثي بصورة ممنهجة لتدمير البلاد، وإفقار الشعب.

لو أمكن إحصاء الأموال، التي سيطر عليها عبدالملك الحوثي وجماعته، فإنه سينافس على صدارة لائحة أكثر الأثرياء الطارئين في العالم خلال العقد الماضي.

صعد الرجل وجماعته على أنقاض البلد، وإفقار اليمنيين. سلب المال العام، ودمّر القطاع الخاص والبيئة المصرفية، وفرض الانفصال النقدي حتى طالت يده جيوب المغتربين اليمنيين حول العالم من خلال القيمة الوهمية للعملات الأجنبية.
 
بدت الحكومة ضعيفة، أو مكبّلة عن اتخاذ مبادرة الخوض في مواجهة الحرب الاقتصادية بصورة مبكِّرة. لم تستعد مركز مؤسسة الاتصالات، التي تضخ للحوثي مليارات الدولارات، ولا هيئة الطيران وخطوطه.
بالتوازي كانت سياسات التحالف في العاصمة عدن تخلق بيئة صعبة ومنفرة لمنع تشكّل عاصمة جاذبة لليمنيين سياسياً واقتصادياً، مقابل تسهيلات للحوثي!

لقد أُثريَ عبدالملك الحوثي وجماعته كما لم يحدث لأسلافه في التاريخ ولا لحركات مليشياوية مشابهة في العصر الحديث من خلال النَّهب المباشر لأموال اليمنيين وموارد البلاد.  

لقد كان الخبر الأول بعد سيطرة مليشياته على صنعاء نقل الأموال بشاحنات من البنك المركزي إلى صعدة، ثم التصرّف بالاحتياطي النقدي من العُملات الصعبة بقيمة أكثر من "5 مليارات دولار" بصورة غامضة، خلال أقل من عام.

تتموضع فكرة النّهب الممنهج في مركز تكوين المليشيا العقائدي، وهي أحد المحفزات دوماً للحرب، وقد غزا الحوثي اليمن، وسلبها كل شيء.
 
لكنه في المقابل، كان يحصل على ما يشبه المكافأة من المجتمع الدولي، وحتى من الدول التي أعلنت حرباً عليه أموالاً سائلة وعينية بعشرات المليارات من الدولارات.

تقول السعودية والإمارات إنهما انفقتا قرابة الأربعين مليار دولار لمساعدة اليمن طيلة فترة الحرب. إذا تفحصنا هذه الأرقام فإن ما قدّمته الدولتان للحكومة اليمنية كمساعدات مباشرة (ودائع وقروض) لا يتجاوز بضعة مليارات.

الجزء الأكبر من هذه الأموال المعلنة كانت تمويلات لبرامج الأمم المتحدة والمنظمات التابعة لها، وكان الحوثي يستحوذ على الجزء الأكبر منها، وتصل اعتمادات المنظمات الوسيطة بالدولار والعملات الصعبة إلى بنك الحوثي عوضا عن بنك الحكومة المعترف بها دولياً!
 
أما المساعدات الغذائية، فتقول تقارير الأمم المتحدة نفسها إن الحوثي كان يبيع الجزء الأكبر منها، ويوظفها لاستقطاب مقاتلين.

في جانب آخر من مشاهد عبثية الحرب، كان الحوثي يزرع ملايين الألغام التي تقتل اليمنيين يومياً، مواطنين ومغتربين عائدين، ويتلقى في الوقت عينه عشرات ملايين الدولارات لبرامج نزعها، وتزويده بمعدات وعربات بعضها كان يُستخدم في مهمات حربية!

إنها مهمة زرع، مسنودة بأموال ضخمة لنزعها، حالة من السلوك الدولي، يكاد يشكّل حالة فريدة كفرادة اليمن!

أما المزايا التي حصل عليها من اتفاق "استوكهولم"؛ من خلال إتاحة دخول المشتقات النفطة والمتاجرة بها وبعائداتها، ثم منحه الحديدة بصورة شبه كاملة من خلال الانسحاب الشهير "بإعادة التموضع"، فليست نهاية مطاف العبث.
 
لقد حصل الحوثي -من خلال تسهيلات التحالف- على مكاسب اقتصادية هائلة، يبدو أنها كانت ضمن برنامج تسمين متعمّد للمليشيا.

لنتأمل: في الوقت الذي كان الحوثي يُمنح وصولاً مفتوحاً إلى ميناء الحديدة مكنه من استبدال الغاز اليمني بالغاز الإيراني عبر العراق، وشحنات كبيرة من المشتقات النفطية، عبر القنوات الخلفية، وتفاهمات بينية مع التحالف، كان يتم فرض الإذعان على الحكومة للقبول بالتوقّف عن تصدير النفط، وعدم الرد على استهداف المنشآت النفطية.

كان ذلك يحدث حفاظاً على مقتضى التفاهمات الإيرانية - الحوثية من جانب، والتحالف من جانب آخر!

وفيما كان يجري فتح موانئ الحديدة كانت موانئ عدن والمحافظات المحررة إما مقفرة أو قواعد عسكرية للتحالف!

إن لم تكن هذه حرب استنزاف وإنهاك متعمد لليمنيين، في صورة العبث الكبرى، فما العبث؟!!

لا يمكن للاقتصاد أن يتحسن في ظل لعبة كهذه هي أقرب لإدارة حرب مزمنة وطويلة، ستنتهي إلى القضاء على كل شيء، كما لا يمكن للعملة أن تتعافى في ظل غياب شبه تام لموارد النقد الأجنبي.
 
لا ريب أن قرار البنك المركزي  الأخير -لممارسة سلطاته السيادية على العملة- مهم، رغم أنه متأخر للغاية. ولاشك أن خبيراً مالياً واقتصادياً كالأستاذ أحمد غالب المعبقي، رجل تكنوقراط من الطراز الرفيع، لديه الكثير ليفعله من أجل إيقاف عبث الحوثي باقتصاد البلد بصورة عامة، لكن السؤال: من سيُسعف الرجل لإكمال معركته في الجوانب الأخرى؟

بصيغة أخرى: هل لدى السلطة، الممثلة في المجلس الرئاسي، تصور لمعركة أوسع قد تشتعل في الميدان؟ وهل تمتلك القدرة على مجابهة قد تحتاج إلى الكثير من أموال النقد الأجنبي، وقبل ذلك الكثير من الإرادة الحُرة المعبِّرة عن مصلحة اليمنيين؟

مقالات

أبو الروتي(4)

(كنت كلما سمعت خطيب الجامع يتكلم عن بنات الحور تذكرتُ فاتن حمامة) عندما وصلت بيت جدي، علي إسماعيل، لم يكن جدي موجودا، وإنما كانت هناك جدتي آمنة، وقد استقبلتني بحرارة، وكانت ظريفة وخفيفة دم، حتى إنني أحببتها من طريقة استقبالها لي، ومن طريقتها في الحديث.

مقالات

عن شعر يمني جدد الأدب العربي

كان شعر العامية اليمنية في زمن الدولة الرسولية والطاهرية، وتحديداً الشعر الحميني الذي اكتمل كلَونٍ جديد، ثورة تجديدية في الأدب العربي، في رأي الدكتور عبدالعزيز المقالح.

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.