مقالات

دوران اليمنيين حول الصفر وما قبله!

27/08/2024, 12:46:55

تدور حياة  هذا البلد حول الصفر. تبدأ دورة حياته منه ثم يعود إليه هرولة، وكأنّه المصير الحتمي!
 
بعد أيام، سيحِل سبتمبر شهر الثورة، التي حاولت أخذ اليمنيين بعيداً عن الصفر.

المناسبة نفسها ستكون قريبة من الذكرى العاشرة للكابوس الذي أعادهم إليه مجدداً بعد قرابة ستة عقود.

ويا للمفارقة المدهشة، فشهر أيلول الأبيض للخلاص من الصفر هو نفسه شهر العودة إلى الجزء الأسود منه!

هل هو مكر التاريخ أم مكر اليمني بنفسه؟

في واجهة هذه الكارثة، التي التهمت البلد في 21 سبتمبر 2014، لن يخلو الأمر من فانتازيا يمنية لا يمكن أن تحدث في أي مكان آخر.

فالرجل الذي جاء من الصفر وقفز إلى القمة في لحظة مظلمة من تاريخ البلد هو نفسه الذي ظل يهجو الإمامة في خطبه لأكثر من 33 عاماً، وهو الذي سيكسر رقبة التاريخ ويقصم ظهر الجمهورية بإعادة اليمنيين إلى صفر الإمامة والإستعمار، وسيهتف بكل حقد: إنها الثورة!

هذا الصفر الكبير سيُثبت لليمنيين أنه قادر على تخريب حياتهم وإعادتهم إلى الصفر، ليس عبر آلة الزمن، بل عبر عصبيَّته العمياء وحقده ونقمته المريضة، متحالفاً مع الإمامة، وجهه الآخر الذي تعهده بالرعاية طيلة فترة حكمه.

وسط جلبة هذا السيرك  الدامي، كان البلد يتلوى وقد أسقطه مع حلفائه الطائفيين في حرب طاحنة فتكت بمئات الآلاف، ومزقت الأرض، وشردت الملايين، وحولته إلى رقعة مستباحة لأكثر حثالات الأرض دناءة.

سيبلغ سيرك الأصفار هذا العقدة حين يُشارف الفهلوي دعي الدّهاء على الوقوع في الصفر الذي شيَّده، أو القبر بمعنى أوضح، سيصرخ في اليمنيين: انتفضوا ضد الإمامة، احموا الجمهورية!

لقد شارك صالح حليفه الإمامي في إسقاط جمهورية اليمنيين وقتل عشرات الآلاف منهم طيله عامين، لكنه اكتشف أن جمهوريته التي آمن بها توشك أن تسقط!  

إنها جمهوريته التي تبدأ وتنتهي عند أسوار منزله، وهي نفسها جمهورية العائلة.

هل هناك جريمة تساوي ما فعله صالح وعائلته إلى جانب الحوثي؟

اليمنيون أكثر شعوب الأرض استهانة بالدِّماء والأرواح، يدليل أن دورات الدّم في التاريخ اليمني لا توشك أن تنتهي لتبدأ، ثم يعبر القتلة إلى المستقبل على جثث الضحايا كأبطال!

سنشاهد هذه الدّورة المكرورة بصورة أكثر مأساوية بعد مقتل صالح. سترتفع الدعوات لتصفير جرائمه والعائلة.

من وسط نيران الحرب والأنقاض، سيكون الغالبية العظمى من اليمنيين الجوعى والمشردين غير مرئيين.  

وحدها العائلة، التي شاركت في صناعة هذا المصير الأسود، ستظل حاضرة وبؤرة الضوء ومركز المشاعر المازوشية!

سيحتاج أحمد علي صالح لرفع العقوبات، هذه أولوية قصوى لكي يتمكن من استعادة بعض الأموال التي نهبها مع والده، وتسربت إلى قوائم الحظر.

ثم إن الإقليم يريد الرجل أن يعود إلى المشهد. بالمعنى اليمني العودة إلى الصفر، وما قبله.

وإذا كان التوريث قد أخفق في ظل وضع الدولة الهشة وأسقطته الانتفاضة الشعبية في فبراير، فليكن بالحرب!

على أن الحرب، التي تسبب بها انقلاب العائلة مع الإمامة مدفوعة بأموال الإقليم ودسائسه خدمة للمستفيد النهائي إيران، لم تترك بلداً يمكن لأحد السيطرة عليه أو وراثته.

لقد عاد إلى نقطة ما قبل الصفر بقليل: أرض ممزقة، دويلات وإمارات ومليشيات، ومبضع بيد الحلفاء والأعداء يقطع أوصاله كغنائم!

ستكون هذه خلاصة الحرب وهدفها: تمزيق اليمن وتدمير اليمني الذي انتفض في محيط العائلات الملكية.

مع ذلك، لا بأس لدى اليمني الواهن أن يفقد الأمل بنفسه وبقدرته على الفعل ثم يسلم مستقبله لقتلته!

هذه طعنة في قلبه يسددها لنفسه، أو يجبر على الإمساك بالخنجر ليتكئ عليه.

هناك من قرر أنه يتوجب علينا أن نحمل العائلة مجدداً على أكتافنا "كي تستعيد الدولة" التي دمّرتها، والأهم وجب علينا أن نستعيد الماضي، الماضي الذي أنتج كل مآسي الحاضر، واختطف المستقبل.

هنا سيتجلى الصفر باعتباره مدار حياة اليمنيين، حياة الرجال الذين يفقدون البوصلة وهم في طريقهم لاستعادة معنى الأرقام والأحداث بالنسبة لمصيرهم، وسنلمح بريقاً جديداً للصفر يتوهج على شكل "بطل"، وسلسلة لا نهائية من الأصفار.

هل يعجز شعب عن إنتاج قواه الطليعية ليلقي بهذا التاريخ كله خلف ظهره، ثم يبدو راغباً أو مضطراً للقبول بصنَاع نكبته؟

ما يحدث مع عائلة صالح سيكون تمهيداً وإقراراً بحق السفاح الحوثي بالإفلات من فظاعاته بحق الشعب، وتصفير الجرائم وشراكته الإجبارية في المستقبل!

إنها متوالية لا نهائية من الإقلاع من الصفر والمراوحة عنده أو العودة إليه.

نحن لا نتعلم شيئاً، دورة التاريخ صفرية بالنسبة لليمنيين.

وإذا كان هناك درس وحيد تعلمناه من التاريخ هو أننا لم نتعلم منه شيئاً، كما قال هيجل.

مقالات

أبو الروتي ( 10)

في أول يومٍ أذهبُ فيه إلى المدرسة (المعهد العلمي الإسلامي).. وفيما كنتُ أعبرُ بجوار السوق المركزي، وانعطفُ يساراً باتجاه "مدرسة السّيْلة" الابتدائية، شاهدت خمسة أطفالٍ شياطين يخرجون من الشارع الموازي للسوق المركزي؛ أربعة منهم بنفس عمري، وخامسهم أكبر مني، ومن أصحابه الأربعة، وكانوا جميعهم يشترون الرّوتي من فُرن الحاج، ويرونني هناك، لكن كبيرهم كان أول من لفت انتباههم إلى وجودي، وأول من صاح قائلا، وهو يشير إليَّ:

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.