مقالات
كل الطرق لا تقود إلى الطريق!
سيقف اليمنيون مجدداً أمام أهم حدث في تاريخهم المعاصر - وحدة 22 مايو- إما شاردون وقد أخذتهم متاهات الحرب بعيداً أو منقسمون بين متغنٍ بمجد الإنجاز الضائع أو باحث في إرشيف الإستعمار عن دولة " المستقبل"!
بالنسبة لمليشيا الحوثي الطائفية فقد فعلت فعلتها، وبعد أن تأكد زعيمها من تمزيق البلاد، ذهب لبناء سلطته الإنفصالية فأقام الحدود والمنافذ الجمركية وصك عملته الخاصة، والآن يبحث فقط عن الإعتراف الدولي.
في عيد 22 مايو الحالي، كما السابق، لن يستطيع رئيس الجمهورية اليمنية المفترض الإحتفاء بالذكرى في عدن كقائد يكتسب صفته من الكيان القانوني والإعتباري للجمهورية اليمنية كدولة طبيعية معترف بها. ربما يلقي كلمة تذكر بفقدان الجمهورية اليمنية أكثر من التذكير بمناسبة تأسيسها وربما كلف أحداً ليتحدث بالنيابة عنه.
في المقابل سيصّعد المجلس الإنتقالي الجنوبي نبرة وعوده عن الدولة الجنوبية المستقلة، وعن الجنوب العربي، الجنة الموعودة" المحتجز في أدراج الاشقاء"، رغم عجزه طيلة 7 سنوات عن تأمين خدمة الكهرباء وهو الحليف الوثيق للإمارات الذي زودته بعتاد دولة، والكيان الذي حرصت السعودية على وجوده!
وسط هذا الخضم، شعب يفقد الثقة بمختلف هذه اللافتات، يعيش أسوأ ما يمكن تصوره عن مآلا الحرب، ليس لديه قليلاً من الأمل ويتجرع البؤس كله.
قبل أيام التقط الصحفي صلاح السقلدي المتحمس لانفصال الجنوب، صورة لنفسه على مشارف ميناء الحاويات في عدن، وفي الخلف سفينة واحدة هي كل ما يتحرك صوب الميناء الذي كان عالمياً في حقبة سابقة.
الصحفي السقلدي تساءل في منشوره : مَن ذا الذي يقتل عدن بهذا الشكل يا خلق الله؟
ببساطة يمكن التقاط خيبة أمل شاسعة لدى السقلدي ولدى الآلاف من المؤيدين للإنتقالي.
كما كثيرين، السقلدي لايريد الإجابة عن سؤاله بصورة صريحة، مع أن جملته التي تتحدث عن ميناء يخلو من السفن تجيب ببساطة: لأن من يريد قتل عدن هو نفسه الذي يكتم رئتها كميناء!
في المجمل حتى وإن بدت تسير في وجهات متنافسة ومتشاكسة، فإن جميع الأطراف المتصارعة في اليمن يربطها خيط واحد: الإرتهان للفاعلين الإقليميين.
وفي الجذورهناك ما يصلح لقصة قصيرة تلخص كل هذا الذي يحدث في اليمن ومآلاته:
في الجزء الأول استغلت دول جوارثرية، لديها فوائض مالية، حلفاً طائفياً مهجوساً بفكرة الأحقية بالحكم ومولته للإنقلاب على مخرجات الحوار الوطني ودفع البلاد نحو الحرب الأهلية.
خلال أشهر ستبدو هذه الدول مندهشة ومصدومة من النتائج، فالعملية أسفرت عن سقوط العاصمة العربية الرابعة بيد طهران!
لمواجهة ذلك، ستقررنفس الدول التي مولت الإنقلاب تشكيل تحالف عسكري لإنهاء الإنقلاب(!)
خاضت هذه الدول حرباً تدميرية حققت جميع أهدافها باستثناء الهدف الذي زعمت أنها جاءت من أجله!
في الجزء الأخير أسفرت الحرب عن تصفية الشرعية وملشنة البلاد، وترسيخ حكم الحوثي وتقويض الوحدة الوطنية، ليس بين الشمال والجنوب فحسب، بل في الجنوب والشمال كلاً على حده.
انتهت لعبة الحرب على هذا النحو :
في القسم الأكبرمن الشمال يسرق الحوثي كل مافي جيوب اليمنيين وماليس في جيوبهم لتعلو تكبيرات الصرخة الإيرانية، فارضاً إمامته الطائفية بالقوة المسلحة، واعداً اليمنيين بالمزيد من الجحيم .
وفي القسم الآخر حيث يشكل الجنوب كتلته الكبرى تتنافس السعودية والإمارات وخلفهما كيانات عديدة مسلحة، جميعها تلعب في المساحات التي تتيحها حسابات البلدين ومصالحهما.
في جانب من الصورة يقف الإنتقالي وقد بدا كما لوكان يقترب من دولته، رغم اليأس البادي على قادته وابتعاده عن هدفه كلما لاح له أنه يصل، لأنه مصصم لكي لا يصل أصلاً!
أما الشرعية، فعليها أن تنتظر ما الذي ستقرره السعودية وبعدها الإمارات لتقول ماذا تبقى من الجمهورية اليمنية!
في آخر مقابلة للرئيس الأسبق علي ناصرمحمد مع الإعلامي البارز عارف الصرمي، كشف الرجل عن جانب من السياسة التي يتبناها التحالف حيال حيال كيان الجمهورية اليمنية، وكيف أن النخبة اليمنية ترهن قرارها بمقتضى ارادة الخارج.
يقول الرئيس ناصر إنه عندما وجه سؤاله لمسؤول خليجي رفيع عن موقف التحالف من الوحدة أجابه قائلاً : هل أعلنت السعودية والإمارات دعمها للإنفصال ؟ ما يعني أنها لم تفعل!
بعيداً عن استنتاجات الرئيس، المؤكد أن ما فعلته سياسيات الرياض وأبوظبي لا تصب في صالح الوحدة الوطنية، والأمر، يتجاوز الشمال والجنوب ، الى كل اتجاه على حده.
إن كل مسارات الأطراف المتصارعة الراهنة لا تقود إلى الطريق الذي يسفر عن نهاية، وهي تؤدي أدوارها ضمن مساحات متاحة يحددها الفاعلون المتشاكسون في الإقليم، حلفاء وأعداء. لا طريق واضح إلى الوحدة ولا مسلك ضامن إلى انفصال وقيام دولتين، لا سلام حقيقي، ولا حرب كاملة.
لقد كان الشهيد محمد محمود الزبيري أول من تنبه إلى خطورة الإمامة على الوحدة اليمنية، وقد ربط بين الإستعمار والإمامة باعتبارهما قطبي رحى، بتظافرهما يسحقان أي وحدة ممكنة بين اليمنيين. وليس صدفة أن عودة الإمامة جاءة محمولة بوجه الإستعمار وربما بأسوأ وأقبح وجوهه.