مقالات

محكومون بالأمل

03/01/2024, 09:22:46

في ليلة رأس السنة الميلادية فتحت كتاباً لمؤلف بريطاني إسمه «مات هيج»، ووقعت هذه الجملة في يدي وكأنها فال حسن للعام الجديد: "لا يجب عليك أن تكون في وضع مثالي لتشعر بالأمل. عليك فقط فهم حقيقة أن الأشياء تتغير".
نعم، الحياة تتغير، ولا ديمومة لشيء، لا للفرح ولا للألم. كذلك الأحوال العامة لبلد ما مثل اليمن، وإن كانت المعطيات الموضوعية سيئة، ولا تدعو إلى التفائل، مع ذلك لا حتمية لاستمرارية جانبها المأساوي.

يقال إن اللا متوقع يختبئ دوماً على بُعد خطوة من المتوقع.
قليلاً من التفائل مهم لاستمراريتنا. ليس لأن شيئاً ما تغيّر في الواقع الموضوعي، ولكن لأن التغيير هو قانون الحياة، ولأننا  محكومون بالأمل؛ كما قال سعد الله ونوس، الروائي السوري الذي قال له طبيبه إن لديه سرطانا، وسيموت بعد شهرين على الأكثر، وعاش ثماني سنوات، بقوة الأمل، قبل أن ينطفئ نفس الحياة في جسده.  

التفائل في الأوقات الصعبة ليس سذاجة متوهمة، ولكنه اليقين أن الحياة تتغير، وأن شيئا ما أفضل سوف يأتي.

بداية كل عام جديد، تتزامن مع جردة حساب لعام مضى، وحزمة توقعات وآمال من عام قادم. وبين عامٍ ذاهبٍ وعامٍ آيبٍ، يبقى الإنسان هو صانع التاريخ بكل ما فيه من صفحات مشعة بالفرح، وصفحات مظلمة من المأساة. يبقى الإنسان وقدرته على الأمل بحياة أفضل.

الوعي المتراكم للخبرة البشرية يُدرك أن الحياة تتغير، بل إن التغيير هو قانونها الأهم، فهي لا تستقر على حال. توقع التغيير في الأحوال الخاصة والعامة يتواءم مع طبيعة الكون كله من حولنا.
التغيير هو قانون الكون. لا يبقى شيء على حاله. هذا التغير الدوري لكوكب الأرض، بيت البشرية، ودورانها حول الشمس دورة كاملة في السنة الشمسية المكونة من 12 شهراً وأربعة فصول. تذكير بهذا القانون الأزلي.

يركز اينشتاين على الترابط بين العناصر في الوجود وبين كل مكوناته، فالواقع الثابت هو مجرد وهم، وعندما يهتز شيء ما، يتردد صدى إلكترونات الكون كله معه. كل شيء متصل ببعضه البعض. وإن أكبر مأساة للوجود البشري هو وهم الانفصال.

الحياة عملية متصلة من التغيرات. العلوم الطبيعية وتطوراتها الحديثة تتمحور حول حقيقة هذا الترابط والتأثير المتبادل بين كل شيء في الكون. كل شيء موجود هو في الواقع نظام ديناميكي يتحرك ويتغير باستمرار.
الإنسان يمور داخله بالتغيرات، المجتمعات تتحول، الكواكب في حركة دائمة، المجرات تدور، القارات تتحرك.

نحن كائنات شمسية - عقولنا وأجسامنا متحركة بالطاقة الشمسية. متحركة بشموس أرواحنا المشعة والمتصلة بالكون كله.

التركيب الموجي للكون يفسر المعتقدات القديمة حول تغير أحوال الإنسان الخاصة والعامة بالتزامن مع دورات الأرض حول الشمس. تركيب الدماغ الذي يتأثر بالذبذبات الطاقية المنبعثة من الأرض والمتأثرة بالنشاطات الشمسية، له علاقة بتغيرات الوعي والأحداث التي تصدر عن البشر، في المستويين الخاص والعام.

النشاطات الدماغية المرتبطة بالوعي تتجاوب بشكل كبير مع تغيرات طفيفة في النشاط الجيومغناطيسي الأرضي، وتتأثر بالتغيرات في خارج الأرض وموقعها منها، وتحديدا الشمس.

الكائنات البشرية مغمورة في ثلاثة مجالات تتغير باستمرار؛ أولها داخل الإنسان ذاته ووعيه وكونه الداخلي.
والمجال الثاني هو الواقع الموضوعي، وهو متغير، ولا أحد يمكن أن يضمن بقاءه ثابتاً على حال.

المجال الثالث هو الطبيعة ذاتها، والكون من حولنا، وهو مجال واسع من التأثيرات الطبيعية الموجية وذبذاباتها المتغيرة على الدوام، لا فحسب التغيير في الأحداث العامة بسبب مؤثرات لا نهاية لها.

كان البشر القدماء يترقبون مواعيد أيام محددة في السنة وليس فحسب بداية السنة الشمسية، وتحديدا مواعيد الانقلاب الشمسي الشتوي والصيفي، والاعتدال الشمسي الربيعي والخريفي. ولا زالت كثير من الطقوس القديمة مستمرة إلى زمننا الحاضر، أحيانا بنفس الأشكال، وفي أخرى بعد أن تغيرت مسمياتها، وتم الباسها توصيفات جديدة بتأثير تغير المعتقدات والأمم.

العالم المسيحي يحتفل بميلاد المسيح يوم 25 ديسمبر، وهو يوم احتفالات بمسميات مختلفة في العصور القديمة لدى أمم عديدة بينها المصريون القدماء. وقبلهم كان يُحتفل به بمناسبة الانقلاب الشتوي حيث تصل الشمس إلى آخر مدى لها في الميلان عن كبد السماء، وحيث يصل النهار آخر أشواطه في القصر، ويبدأ بعد ذلك بالامتداد على حساب الليل. هذا اليوم بالذات أُعتبر دوما في الديانات الشمسية عيد ميلاد للشمس، فيه تتجدد قوتها وتستعيد عزمها لمقارعة قوى الظلام.

الاحتفالات بنهاية عام وبداية سنة شمسية جديدة موغلة في القدم، ومتشعبة في طقوسها ودلالاتها، وتحتاج إلى مقالة خاصة بها.
أعود إلى لحظتنا الحاضرة، العام 2014، سنة جديدة تبعث الكثير من التأمل والتوقعات. في اليمن تذكرنا بمأساتنا كبلد يمر في حالة انهيار، وحرب وتمزق للعام التاسع علي التوالي، ومع توقعات متشائمة لا ترى نهاية قريبة لمعاناة اليمنيين.

لكن اللامتوقع بإمكانه دوماً أن يقلب كل التوقعات، في البُعدين، الخاص والعام.
إن الحقيقة الذاتية التي تمكِّن الفرد من تجاوز الحياة القاسية والانتصار عليها، قد تكون أكثر قيمة من الحقيقة الموضوعية التي لا تفعل ذلك. في كثير من الأحيان يمكن للحقائق الذاتية أن تفعل ذلك، حتى عندما تكون الحقيقة العامة مُظلِمة آفاقها ولا تعد بشيء سوى المزيد من العذاب.

بإمكانك أن ترتدي القنوط قناعاً لك، وتتذمر، لتفرغ أثر القهر والظلم والعسف، لكن ذلك التنفيس يتركك خواءً وقاعاً صفصفاً وصفراً متضخماً.

تفريغ الانفعالات مريح آنيا ويفرغ حالة التوتر، التي تخلقها المأساة، التي تعم اليمن، لكنه يقول شيئاً واحداً: إنك دفعت ثمناً قاسياً بمرورك في حالة الانهيار والحرب والموت والخراب العميم، ولم تستوعب الدرس وتتعلم منه القوة الذاتية المتاحة لكل من يمر بهكذا ألم ومعاناة قاسية.

تفريغ لانفعالات بمزاج عابث، لا عزاء له سوى الأنين.
على العكس من ذلك، يأتي الوعي الذي لا ينهزم ليؤسس لانتصار قضاياه على المدى البعيد، بنضج وامتلاء تميزه قوة الفكرة ووضوحها، لا حدة النبرة وضجيجها.

وحده الفرد المتماسك من داخله يحول المعاناة والألم إلى مادة خام لخلق روح متقدة بالحياة، لا يقوى على هزيمتها حتى الزمن وتقلباته.

ليست مهمتنا أن ننظر إلى الخلف لنستجر مواجعنا. النجاة تتقرر داخل الإنسان، تولد من إرادته. لن تنجو أبداً إذا لم تكن هذه السنوات القاسية قد زرعت بذرة القوة والنجاة في أعماقك.
النجاة، السعادة، والحياة عموما، هي طريقة تفكيرك ونظرتك للحياة من حولك. حيويتك في إدارة لحظاتك المتعددة. كل ما تعيشه، ويعطي معنى لشيء ما بقليل من الجهد.
لا تنتظر شيئا، هو غير موجود داخلك  
هذه هي الحياة. لا شيء غيرها.

يقول ستيف ماربولي في مقطع من قصيدة طويلة:

"عندما يبدأ يوم جديد، تجرأ على الابتسام بامتنان
عندما يكون هناك ظلام، تجرأ على أن تكون أول من يضيء النور
عندما تبدو الحياة أنها تهزمك، تجرأ على المقاومة
عندما يبدو أنه لا يوجد أمل، تجرأ على العثور على بصيص منه
عندما تشعر بالتعب، تجرأ على الاستمرار
تجرأ على أن تكون أفضل ما تستطيع".

مقالات

أبو الروتي (3)

(لحظة انطلقت بنا السيارة شعرت بأنّي كبرتُ، ولم أعد طفلا) فيما رحت أتقدّم باتجاه بيت جدي علي إسماعيل، تذكّرت كلام جدتي، وهي تودّعني عند مشارف القرية، وتقول لي:

مقالات

المساندة لكيان الاحتلال والأكفان لفلسطين!

منذ البدء؛ اختارت الكثير من الأنظمة العربية توزيع الأكفان في غزة. كان ذلك يختصر كل شيء: نتنياهو مطلق اليد، يتولى ذبح الفلسطينيين، بينما ستحرص هذه الأنظمة على أن يكون تكفين الضحايا عربياً خالصاً!

نستخدم ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) خاصة بنا. بمواصلة تصفحك لموقعنا فإنك توافق على استخدام ملفات تعريف الارتباط (كوكيز) وعلى سياسة الخصوصية.